من هنا نبدأ...  الوعي النيابي المفقود... نحو تصحيح المفاهيم عن الترشح، ودور النائب، ومسؤولية المواطن 

في خضم هذا الزخم غير المسبوق من الترشحات لمجلس النواب، وما نشهده من حمى سباق وصراعات في بعض

من هنا نبدأ...  الوعي النيابي المفقود... نحو تصحيح المفاهيم عن الترشح، ودور النائب، ومسؤولية المواطن 
من هنا نبدأ...  الوعي النيابي المفقود... نحو تصحيح المفاهيم عن الترشح، ودور النائب، ومسؤولية المواطن 


✍️ بقلم د. مدحت يوسف
???? 12 أكتوبر 2025

???? في خضم هذا الزخم غير المسبوق من الترشحات لمجلس النواب، وما نشهده من حمى سباق وصراعات في بعض الدوائر، نجد أنفسنا أمام مشهد يفتقر إلى الرؤية ويبتعد عن جوهر الهدف الحقيقي من الترشح النيابي. لقد تحولت العملية الانتخابية في كثير من المناطق إلى مظاهر اجتماعية وموسمية، يسودها الاستعراض والمجاملات أكثر مما يعبر عنها الوعي الوطني والقدرة على الاختيار المسؤول.

???? لقد أصبح الترشح عند البعض وجاهةً اجتماعية أو وسيلة لتحقيق مصالح خاصة، لا تكليفًا لخدمة الوطن وتمثيل المواطن بصدق ومسؤولية. وكأن الكرسي النيابي أصبح غاية في ذاته، لا وسيلة لتشريع القوانين ومراقبة الأداء وتحقيق المصلحة العامة. وهنا تكمن الخطورة، لأن المفهوم إذا انحرف، ضاع الهدف، وتاهت الحقيقة وسط الشعارات والوعود الزائفة.

⭐ إن البرلمان هو قلب الدولة التشريعي، ولسان الأمة أمام العالم، وصورة حضارية تعكس ثقافة الشعب ومستوى وعيه. وليس من المقبول أن يُختزل هذا الدور العظيم في حفلات استقبال وعزاء، أو زيارات شكلية، أو وعود غير واقعية يطلقها البعض لكسب الأصوات. البرلمان مؤسسة تمثل الدولة بكل مؤسساتها وشعبها، لا ساحة صراع ولا منصة دعاية.

⚖️ النائب الحقيقي هو من يدرك أنه جزء من منظومة وطنية متكاملة، هدفها خدمة الدولة والمجتمع. وظيفته الأساسية هي التشريع والمراقبة، أي أن يسهم في سن القوانين التي تُصلح الواقع وتُسهم في التنمية، وأن يتابع تنفيذها على أرض الواقع، لا أن يتحول إلى “وسيط خدمات” أو ناقل طلبات بين المواطنين والجهات الحكومية.

???? ومن أكبر الأخطاء التي يجب تصحيحها أن البعض يعتقد أن النائب خصم للدولة أو معارض لها، وهذا خطأ فادح في المفهوم. فالنائب جزء من الدولة، يعمل ضمن مؤسساتها، ويساندها في تحقيق أهدافها الوطنية من خلال النقد البناء والمساءلة الواعية، لا من خلال الصدام أو المعارضة غير المسؤولة. فالبرلمان ليس ضد الدولة، بل هو ذراعها التشريعي والرقابي الذي يُكمل منظومة الأداء الوطني.

???? ومن الإساءات البالغة التي تشوه صورة النائب الحقيقي، تلك الوعود الباطلة التي يطلقها بعض المرشحين جهلاً أو تضليلاً لتسويق أنفسهم بين المواطنين. نسمع من يقول “سأبني” و”سأوظف” و”سأحقق”، وكأنه يمتلك مفاتيح السلطة التنفيذية أو ميزانية الدولة. هذه الوعود الكاذبة تُسيء إلى الوعي العام، وتزرع في أذهان الناس مفهوماً مشوهاً عن دور النائب، وتُفقد المواطن ثقته في المنصب النيابي. النائب لا يبني بيده، ولا يصدر قرارات تنفيذية، بل يسن القوانين التي تُمكّن الدولة من البناء، ويُراقب أداء الحكومة في تنفيذها.

???? لذلك يجب أن يدرك المرشح قبل أن يعلن ترشحه أنه يدخل ميدان مسؤولية لا ميدان شهرة، وأن الكرسي النيابي ليس منصباً للتفاخر بل مسؤولية وطنية كبرى تتطلب علماً وفهماً وخلقاً وقدرة على الحوار والإقناع، ومعرفة دقيقة بالقوانين والتشريعات والاقتصاد والسياسات العامة.

????️ وعلى الجانب الآخر، يجب أن يتنبه المواطن إلى مسؤوليته في الاختيار، فصوته ليس مجاملة ولا عاطفة ولا علاقة شخصية، بل أمانة وطنية تُحاسب عليها الأجيال. إن النائب الذي ينتخبه المواطن لا يمثل دائرته فقط، بل يمثل الأمة كلها في تشريعاتها وقراراتها، وما يسنّه من قوانين يُطبق على الجميع، لذلك فاختياره يجب أن يقوم على الكفاءة والفكر والقدرة على العطاء، لا على العلاقات أو الانتماءات الضيقة.

???? إن مشهد الهرجلة الذي نراه اليوم في كثير من الدوائر الانتخابية، حيث يتقدم العشرات بل المئات للترشح دون مؤهلات حقيقية أو فهم لطبيعة الدور النيابي، يحتاج إلى حوكمة وضوابط صارمة، تضع معايير للكفاءة والسلوك والخبرة، وتمنع الفوضى التي تُفرغ البرلمان من مضمونه، وتُفقد المواطن ثقته في قيمة التمثيل النيابي.

???????? مصر اليوم تبني جمهوريتها الجديدة على أسس الوعي والانضباط والمساءلة والشفافية. ولن يكتمل هذا البناء إلا ببرلمان قوي، يجمع بين العلم والخبرة والضمير، ويكون عوناً للدولة لا عبئاً عليها. نريد نائباً يُشرّع بعقله، لا يتحدث بعاطفته، يناقش بحجة، لا بشعار، ويعمل بروح الفريق الوطني الذي يرى أن الوطن فوق الجميع.

???? تصحيح المفاهيم ليس ترفاً فكرياً ولا دعوة مثالية، بل ضرورة وطنية تُعيد الثقة في العمل العام، وتُعيد هيبة البرلمان ودوره الحقيقي في البناء والتنمية. فلنبدأ جميعاً ـ مرشحين ومواطنين ـ بإعادة تعريف معنى النائب، ومعنى الترشح، ومعنى المسؤولية، حتى يكون اختيارنا القادم اختيار وعي لا اختيار عادة، وبذلك فقط نستطيع أن نبني برلماناً يليق بمصر وتاريخها ومستقبلها.

???? صححوا المفاهيم يا سادة... فالوطن أكبر من كل طموح شخصي، وأعظم من أي مقعد نيابي.

@topfans خطى الوعي DrEng Medhat Youssef Moischool