المسؤولية المدنية للطبيب في العمليات الجراحية الروبوتية بين الاهمال الطبي وخطأ النظام الالي
دخل الطب في عصر جديد مع بزوغ فجر الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجراحية، فصار المشرط في يد آلة دقيقة تتحرك وفق برمجيات معقدة، بينما يجلس الطبيب في مقعد الاشراف والمراقبة.

بقلم . المستشار الدكتور/ محمد ليمونة
دكتور القانون التجاري الدولي
دخل الطب في عصر جديد مع بزوغ فجر الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجراحية، فصار المشرط في يد آلة دقيقة تتحرك وفق برمجيات معقدة، بينما يجلس الطبيب في مقعد الاشراف والمراقبة. ورغم ما تحمله هذه التقنية من وعود بانقاذ الارواح وتقليل الاخطاء، الا انها تطرح سؤالا قانونيا بالغ الاهمية: اذا وقع الضرر على المريض، فمن يتحمل تبعته؟ هل هو الطبيب الذي ادار العملية؟ ام الشركة المصنعة للجهاز؟ ام المستشفى التي وفرت التقنية؟
القانون المدني، في صورته التقليدية، اعتاد ان يحمل الطبيب التزاما ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وهو ما استقر عليه القضاء في مصر وفرنسا ولبنان والكويت. الطبيب، في هذا التصور، لا يضمن شفاء المريض، لكنه يضمن انه بذل ما يبذله نظيره الحريص من حرص ويقظة. غير ان ادخال الروبوت الى غرفة العمليات غير المعادلة. فاذا كان الطبيب قد احسن تقدير الحالة، واصدر التعليمات الصحيحة، غير ان النظام الالي ارتكب خطأ بسبب خلل في البرمجة او عيب في التصنيع، فهل يكون من العدل تحميل الطبيب المسؤولية كاملة؟
المعضلة الكبرى هنا تكمن في التمييز بين الخطأ البشري والاخفاق التقني. اثبات السبب الحقيقي للضرر ليس مهمة سهلة، بل يحتاج الى خبرة فنية عالية وقدرة على تفكيك البرامج والانظمة. ومن ثم، يجد القاضي نفسه امام نزاع معقد: الطبيب ينفي الخطأ، المصنع يتذرع بسوء الاستخدام، والمستشفى تدفع بانها مجرد وسيط وفرت التقنية، بينما المريض ينتظر تعويضا عن اضرار قد تمس حياته وصحته.
في غياب تشريعات متخصصة، تبقى النصوص العامة هي المرجع: قواعد المسؤولية التقصيرية والعقدية، واحكام المنتج المعيب وحماية المستهلك. لكنها قواعد لا تكفي وحدها لمعالجة واقع متطور بهذا الشكل. هنا يبرز الحل في تبني رؤية مشتركة تقوم على توزيع المسؤولية وفق معيار السيطرة: من يملك سلطة القرار الطبي يظل مسؤولا عن اخطائه، ومن يملك زمام التكنولوجيا يتحمل تبعة عيوبها، اما المستشفى فتتحمل مسؤولية التنظيم والاشراف.
ولان الواقع العملي قد يطيل النزاع على حساب المريض، فان فرض التأمين الالزامي على الاخطاء الروبوتية قد يكون الضمان الاجدى لتعويض المتضرر سريعا دون انتظار معركة قضائية مرهقة. كما ان تطوير تشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي الطبي اصبح ضرورة، لا ترفا، لحماية المريض من ضياع حقوقه، ولحماية الطبيب من تحميله ما لا يد له فيه، ولإلزام الشركات المصنعة بمعايير اكثر صرامة في التصميم والتجربة.
ان دخول الروبوت الى غرفة العمليات لا يعني انصراف المسؤولية عن الطبيب، بل يزيد عبئه، اذ يظل عين المراقبة وصوت القرار الطبي. غير ان العدالة تقتضي الا يتحمل الطبيب وزر خطأ الي بحت. فالحق يفرض ان تتقاسم الاطراف المسؤولية تبعا لدورها، حتى يتحقق التوازن بين حماية المريض وتشجيع الابتكار
وفي النهاية، سيظل السؤال مفتوحا الى ان يتدخل المشرع بنصوص واضحة تعالج هذه المسائل المستجدة. فالمسؤولية في العمليات الروبوتية ليست مجرد شأن تقني، بل قضية قانونية واخلاقية تمس جوهر العدالة الطبية، حيث يقف المريض دائما في مركزها، بين امل في شفاء جديد وخشية من خطأ لم يعرف له بعد صاحبا