قصة قصيرة  وإنتهى الليل

كانت الشاشات تعلن انتهاء الحرب. أصوات المذيعين ترتجف بين الفرح والحذر،

قصة قصيرة  وإنتهى الليل
قصة قصيرة  وإنتهى الليل

بقلم: رفاه زاير جونه 
 بغداد: العراق

كانت الشاشات تعلن انتهاء الحرب. أصوات المذيعين ترتجف بين الفرح والحذر، وصور الناس تتعانق على خلفية الركام والدموع.
الأعلام تُرفرف فوق الحجارة، الأطفال يركضون في الأزقة الضيّقة، والسماء أخيراً صافية بلا دخان.
وفي زاوية الشاشة، ظهرت امرأة تجلس على أنقاض بيتها، تحتضن غصن زيتونٍ صغيراً وتبتسم.
لم يقل المذيع اسمها، اكتفى بأن يهمس: "هي أمٌّ غزّاوية، تقول إن الحرب انتهت… لكن قلبها بدأ من جديد."
كانت تلك الجملة كافية لتفتح باب الحكاية.
جلست "أم رُبى" على حجرٍ كان يوماً جداراً لبيتها، حولها بقايا الأثاث وعبق الرماد.
لم تكن تنظر إلى الخراب، بل إلى البحر البعيد الذي بدأ يلمع تحت ضوء الغروب.
في عينيها مزيج من حنينٍ وانتصار، وفي قلبها يقينٌ بأن الغياب لا يعني الهزيمة. تسللت نسمةٌ من البحر، هزّت أطراف وشاحها الملوّث بالغبار، كأنها تُربّت على كتفها وتهمس: "انتهى الليل."
تنهدت وقالت لنفسها: "الحمد لله... انتهت.
لكن هل تنتهي الحروب فعلاً؟!!.. أم تغيّر وجوهها وتبقى في الذاكرة؟"
من خلفها، جاء طفلٌ يحمل غصن زيتونٍ صغيراً.
وقف أمامها بثباتٍ يُشبه الرجال، وقال بابتسامةٍ واثقة: "ماما، رح نزرع الغصن هون... علشان يطلع ورد بدل الحجارة."
ارتجفت شفتاها ودمعت عيناها.
ركعت على الأرض، حفرت حفرة صغيرة بيديها، غرست الغصن في التراب، وقالت: "من الطين خُلقنا، ومن الورد سنُبعث من جديد."
حلّ المساء، واجتمع الجيران حول موقدٍ صغير،
النار تتراقص كأنها قلب المدينة الذي لا يخبو. ضحكات الأطفال تملأ المكان، تختلط بتكبيرات الرجال وأغاني النساء اللواتي يخبزن الأمل كما يخبزن الخبز. كل شيء في غزة تلك الليلة كان يُعلن ولادةً جديدة.
في منتصف الليل، جلست أم رُبى أمام بيتها المهدّم، تحدّق في السماء التي استعادت صفاءها.
رفعت يديها وقالت بصوتٍ يشبه ترنيمةَ أمٍّ لكل الكون: "يا رب، إجعل في كل بيتٍ ضوءاً لا ينطفئ، وفي كل قلبٍ وردةً لا تذبل، وفي كل أرضٍ سلاماً لا يُغتال." وعند الفجر، حين لامست الشمس أطراف البحر، بدت غزة كعروسٍ خارجةٍ من الرماد.
الهواء معطّر بالنجاة، والمآذن تهمس بالأمل، والطيور تنثر أغانيها فوق البيوت التي ستُبنى من جديد. إبتسمت أم رُبى وقالت وهي تمسح دمعةً على خدّها 
"أنا الأم...
أنا الأرض...
أنا غزّة...
وإن غبتُ يوماً، فصوتي سيبقى يُكبّر مع الصبح:
أرضنا جميعها عربية." ثم انطفأت الصورة على الشاشة،
وبقي صدى صوت المذيع يقول في هدوءٍ مؤثر: "هكذا تُزهر غزة… بوردة المساء."