من هنا نبدأ...نحو بيئة تعليمية آمنة وقيمية في عصر السوشيال ميديا
في ظل هذا العصر المتسارع الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الحديثة جزءاً لا يتجزأ من حياة الأجيال

✍️ بقلم: د. مدحت يوسف
???? 20 / 10 / 2025
في ظل هذا العصر المتسارع الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الحديثة جزءاً لا يتجزأ من حياة الأجيال، شهدنا تغيراً واضحاً في السلوك الإنساني داخل البيئة التعليمية والمجتمع على حدٍ سواء.
لم تعد بعض مدارسنا كما كانت من قبل؛ فقد انتشرت ظواهر مقلقة مثل العنف بين الطلاب، والاعتداءات، والمشاجرات التي تصل إلى القتل، بل امتد الأمر أحياناً إلى تدخل أولياء الأمور في صدامات تُشعل فتيل الفوضى وتُفقد المدرسة رسالتها السامية كمكان للتربية والتعليم.
وهنا يُطرح السؤال المؤلم: ماذا جرى للبيئة التعليمية؟ وكيف وصلنا إلى هذا التدهور السلوكي الذي يتنافى مع قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا التي نشأنا عليها؟
الجواب واضح في المشهد العام؛ فقد أصبحت الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي مصدر التأثير الأول في عقول أبنائنا، بعدما غزت كل بيت، وتسللت إلى كل فكر، بلا ضابط ولا رقيب. تعرض على أبنائنا أفلام ومسلسلات هابطة، تُهدم فيها القيم وتُجمّل الانحراف وتُقدَّم القدوة المزيفة، فينشأ جيل يخلط بين الحرية والفوضى، وبين القوة والعنف، وبين الرجولة والعدوان.
لقد فقدت البيئة التعليمية توازنها عندما انشغلنا بالتطور التقني والمباني الحديثة، معتقدين أن التقنية وحدها كفيلة بصناعة التميز، وأن الأبنية المتطورة قادرة على خلق بيئة تعليمية آمنة. والحقيقة أن التقنية والمباني ليست الغاية، بل هي وسيلة، أما الغاية الحقيقية فهي بناء الإنسان القيمي الواعي القادر على استخدام هذا التطور بما يخدم وطنه وأمته. فالمبنى مهما كان حديثاً، لا قيمة له إن خلت قاعاته من الأخلاق، والتقنيات مهما بلغت من تطور، تصبح عبئاً إذا لم تُضبط بوعيٍ وسلوكٍ راقٍ.
إن الطالب اليوم يحتاج إلى توجيهٍ قيميٍّ، ومعلمٍ قدوةٍ في الفكر والسلوك، وإدارةٍ تربويةٍ تمارس التربية قبل التعليم. فالعلم بلا خلق لا يصنع تقدماً، بل يصنع خللاً في الوعي والمجتمع.
وفي ظل هذا الانفتاح الإعلامي والرقمي، أصبح من الضروري أن يكون لدينا نظام حوكمة شامل للسلوكيات داخل المؤسسات التعليمية، يضع إطاراً واضحاً للانضباط القيمي، ويربط بين المدرسة والأسرة والإعلام في منظومة واحدة تهدف إلى بناء السلوك قبل المعرفة.
نحتاج اليوم إلى وقفة مجتمعية شاملة لإعادة هيكلة الوعي التربوي في المدارس، تتكامل فيها الأدوار بين البيت والمدرسة والجهات الحكومية والإعلامية، من أجل حماية طلابنا من الانحراف السلوكي والفكري.
ولكي تتحول هذه الرؤية إلى واقع ملموس، نقترح الخطوات العملية التالية:
1️⃣ تعزيز التربية الأخلاقية في المناهج التعليمية بشكل تطبيقي من خلال مواقف وأنشطة واقعية يعيشها الطالب داخل المدرسة.
2️⃣ إعداد برامج تدريبية للمعلمين لتأهيلهم في مجال إدارة السلوك، والتعامل مع العنف المدرسي، وغرس القيم في النفوس.
3️⃣ إنشاء وحدات متخصصة في المدارس لمتابعة السلوك الطلابي والإرشاد النفسي والاجتماعي، بالتعاون مع أولياء الأمور.
4️⃣ وضع ضوابط واضحة للمحتوى الإعلامي والرقمي الموجَّه إلى فئة المراهقين والشباب، بالتعاون بين وزارات الإعلام والتعليم والاتصالات.
5️⃣ تفعيل القوانين واللوائح السلوكية التربوية داخل المدارس بشكل عادل وصارم، مع نشر ثقافة “الاحترام المتبادل والانضباط الواعي”.
إننا نستطيع أن نبني جيلاً قوياً متوازناً إذا استطعنا أن نزرع فيه الوعي السلوكي، والانتماء الوطني، والضمير الأخلاقي منذ الصغر.
ولن يتحقق ذلك إلا بتكامل الجهود بين جميع مؤسسات المجتمع.
فلنجعل من مدارسنا بيئةً آمنة تنبض بالأخلاق والعلم معاً،
ولنجعل من وعينا درعاً يحمي أبناءنا من الانجراف في طوفان الإعلام الهابط،
حتى نحيا جميعاً في مجتمع قيمي متحضر... يواكب العالم دون أن يفقد أصالته. ????
خطى الوعي
DrEng Medhat Youssef Moischool
@topfans