المسؤولية القانونية عن القرارات الصادرة بالذكاء الاصطناعي

لم يعد الذكاء الاصطناعي اليوم قاصرا على المختبرات أو المؤسسات التقنية المتخصصة بل أصبح عنصرا أساسيا في اتخاذ القرارات في مجالات تمس حياة الإنسان اليومية من تشخيص الأمراض إلى قيادة المركبات .

المسؤولية القانونية عن القرارات الصادرة بالذكاء الاصطناعي
المسؤولية القانونية عن القرارات الصادرة بالذكاء الاصطناعي


بقلم المستشار الدكتور/ محمد ليمونة

لم يعد الذكاء الاصطناعي اليوم قاصرا على المختبرات أو المؤسسات التقنية المتخصصة بل أصبح عنصرا أساسيا في اتخاذ القرارات في مجالات تمس حياة الإنسان اليومية من تشخيص الأمراض إلى قيادة المركبات .

وإدارة الاستثمارات وهو ما أفرز إشكاليات قانونية غير مسبوقة تتعلق بمساءلة القرارات التي تصدر عن هذه الأنظمة عندما تؤدي إلى ضرر جسيم إذ يثور السؤال عن الجهة التي تتحمل المسؤولية عن الخطأ الناتج عن الخوارزمية أو النظام الذكي في ظل أن القوانين التقليدية تقوم على افتراض وجود فاعل له إرادة حرة يمكن مساءلته مدنيا أو جنائيا بينما الخوارزمية أداة بلا وعي تعمل وفقا لتعليمات مبرمجة أو أنماط تعلمتها من بيانات ضخمة.

 وهنا يظهر فراغ تشريعي حقيقي فالذكاء الاصطناعي ليس شخصا طبيعيا ولا شخصا اعتباريا بالمعنى المألوف ومع ذلك يمكن أن ينتج عنه ضرر يماثل أو يفوق ما قد يسببه فعل الإنسان وفي القانون المدني المصري يشترط لقيام المسؤولية التقصيرية وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية إلا أن إثبات الخطأ على نظام ذاتي التعلم يمثل معضلة مما يدفع إلى إسناد الفعل إلى المطور أو المالك أو المشغل أما في القانون الفرنسي فيمكن تحميل المسؤولية عن فعل الأشياء لمالكها أو حارسها وهو ما يسمح بتطبيقه على الأنظمة الذكية بينما تميل القوانين في الكويت ولبنان إلى القياس على المسؤولية عن الحيوان أو الأشياء الميكانيكية وإقرار مسؤولية من يتولى الحراسة أو الإشراف ومع تزايد هذه الإشكاليات برزت مقترحات تشريعية حديثة أهمها توزيع المسؤولية بين المطور والمستخدم والمالك وفق درجة السيطرة والخبرة وفرض التأمين الإلزامي على الأنظمة عالية الخطورة وإنشاء شخصية قانونية إلكترونية لبعض الأنظمة بحيث تملك ذمة مالية خاصة بها تخضع للمساءلة وإخضاع الأنظمة الذكية لاختبارات إلزامية قبل السماح بتشغيلها على نطاق واسع غير أن المعضلة الكبرى تكمن في الإثبات فهذه الأنظمة تعمل كصندوق أسود يصعب تتبع المنطق الداخلي الذي قاد إلى القرار المعيب مما يدفع البعض إلى الدفع بأن النظام استقل عن إرادة المطور أو المستخدم وهو ما يعقد عملية المساءلة ويطيل أمد النزاع ومن ثم فإن معالجة هذه التحديات تستوجب إعادة النظر في قواعد المسؤولية المدنية والجنائية على المستويين الوطني والدولي مع سن تشريعات واضحة توازن بين حماية المجتمع وتشجيع الابتكار من خلال مزيج من التشريعات الوطنية المتطورة والاتفاقيات الدولية والتأمين الإلزامي والرقابة الدورية بما يضمن جني ثمار الذكاء الاصطناعي دون دفع أثمان باهظة عند وقوع الخطأ ووضع أساس قانوني راسخ لعصر تتشارك فيه الآلة والإنسان في اتخاذ القرار وتتوزع فيه المسؤولية بقدر ما تتوزع السلطة