من هنا نبدأ … حرمة الميت ..  وكرامة أهله ... فوق كل عدسة وأي استعراض

الموت جلال وهيبة، وهو اللحظة التي تقف فيها النفوس خاشعة أمام قضاء الله وقدره، حيث لا يُنتظر من أهل الفقيد

من هنا نبدأ …   حرمة الميت ..  وكرامة أهله ... فوق كل عدسة وأي استعراض
من هنا نبدأ … ✦ حرمة الميت ..  وكرامة أهله ... فوق كل عدسة وأي استعراض

✍️ بقلم: د. م. مدحت يوسف
???? التاريخ: 20/8/20255 

⚜️ الموت جلال وهيبة، وهو اللحظة التي تقف فيها النفوس خاشعة أمام قضاء الله وقدره، حيث لا يُنتظر من أهل الفقيد إلا دمعة حارّة وزفرة موجوعة، فهم في حالة من الانهيار النفسي والعاطفي تجعلهم غير قادرين على السيطرة على مشاعرهم أو سلوكياتهم. وفي مثل هذه اللحظات، يكون من أبشع صور الاعتداء أن تمتد يد لتلتقط صورة أو تسجل مشهداً بالفيديو، فيتحول الموقف من مقام للعزاء والرحمة إلى مادة تُعرض على الشاشات وصفحات التواصل.

???? لقد كرّم الله بني آدم فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وهذا التكريم باقٍ للإنسان حياً وميتاً. بل إن النبي ﷺ قال: «كسر عظم الميت ككسره حياً»، وفي ذلك تأكيد أن الميت له حرمة لا تقل عن حرمة الحي، ومن ينتهكها فقد تجاوز حدود الأخلاق والإنسانية.

???? تصوير الأموات في نعوشهم، أو بث مشاهد الدفن، أو ملاحقة وجوه المفجوعين في عزائهم، كلها صور تحمل جرحاً مضاعفاً لأهل الميت، وتعرضهم أمام الناس في أوضاع لا تليق بكرامتهم ولا تعبر عن حقيقتهم. فالذي ينهار بالبكاء أو يفقد توازنه النفسي في تلك اللحظة ليس مادةً للتسجيل، بل إنسان يحتاج إلى ستر ورحمة.

⚠️ وللأسف، لم يقف الأمر عند التصوير الفردي العشوائي، بل ظهرت سلوكيات أشد خطورة، حيث تقوم بعض العائلات بتأجير وحدات تصوير وفيديو لتوثيق مراسم العزاء والدفن ونشرها على نطاق واسع، وكأنها مناسبة اجتماعية للاحتفاء أو التفاخر. لقد أصبح التفاخر يمتد حتى إلى الجنائز، بلا مراعاة لحرمة الموت ولا لمقام الوداع، فتتحول الجنائز إلى ساحة لإظهار المكانة الاجتماعية وعدد الحاضرين وكثرة المواكب، بينما الأصل أن تكون لحظة صمت وخشوع ودعاء. هذه العادة السلبية تحتاج إلى معالجة جادة والتنويه بخطورتها، فهي تجرّد الموقف من قدسيته وتجعله أقرب إلى الاستعراض الاجتماعي.

???? إن ما نراه من بعض القنوات الإعلامية، أو من بعض الأفراد الذين يسارعون إلى نشر مقاطع العزاء عبر هواتفهم المحمولة على وسائل الميديا، ليس توثيقاً ولا حقاً للجمهور في المعرفة، بل هو سلوك سلبي يستغل لحظة الحزن ليجعل منها مشهداً يُستهلك في التعليقات والمشاركات، بينما جوهر الموقف هو الصمت والدعاء ومشاركة الألم بوقار.

???? المسؤولية هنا مزدوجة؛ على الإعلام أن يتحلى بأخلاقيات المهنة، وألا يركض وراء السبق على حساب كرامة البشر، وعلى الأفراد أن يدركوا أن ضغطة زر التصوير قد تكون طعنة في قلب أم ثكلى أو أب مكلوم. أما من يحوّلون العزاء إلى مناسبة موثقة بالكاميرات المتعددة والإخراج الاحترافي، فعليهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن يدركوا أن هذا السلوك لا يضيف كرامة للفقيد ولا يواسي أهله، بل يجرد الموقف من هيبته ويجعل الحزن أقرب إلى الاستعراض والتفاخر.

???? إن السلوك الإيجابي الذي نطمح إليه هو أن نُعيد للموت هيبته، وأن نصون حرمة الميت وكرامة أهله، وألا نسمح لعدسات الهواتف والكاميرات أن تسرق لحظات الحزن الشريف وتحوّلها إلى مشاهد مبتذلة.

????️ وفي النهاية، يبقى المبدأ الراسخ أن الميت له حرمة لا تقل عن حرمة الحي، وأهله لهم كرامة لا يحق لأحد أن ينتهكها في ساعة ضعفهم، وأن القيم الإنسانية فوق أي عدسة وأعلى من أي استعراض أو تفاخر.
خطى الوعي  @topfans 
DrEng Medhat Youssef Moischool