"مادلين" سفينة كسر الحصار تُبحر بإسم أول صيادة فلسطينية في غزة

"مادلين" سفينة كسر الحصار تُبحر بإسم أول صيادة فلسطينية في غزة

سوسن زايد 

في خطوة رمزية تعبّر عن التقدير والاعتراف بصمود المرأة الفلسطينية، حملت إحدى سفن "أسطول الحرية" المتجهة إلى قطاع غزة في يونيو 2025 اسم "مادلين"، تيمنًا بمادلين كُلّاب، أول فتاة تمتهن صيد الأسماك في غزة، التي تحوّلت من طفلة على الشاطئ إلى رمز للمقاومة المدنية والتحدي.

وُلدت مادلين كُلّاب ونشأت على ضفاف البحر، ورافقت والدها الصياد منذ أن كانت في السادسة من عمرها، تتعلم منه أسرار المهنة: السباحة، ورمي الشباك، وقيادة القارب. لكن رحلتها لم تكن هواية طفلة فقط، بل بداية لمسؤولية مبكرة.

في الثالثة عشرة، أُصيب والدها بمرض خطير أفقده القدرة على العمل، فتولّت مادلين، بوصفها الابنة الكبرى، مسؤولية إعالة الأسرة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وحصار إسرائيلي خانق فرض على غزة منذ عام 2007.

مع تقليص المساحة المسموح بها للصيد إلى 3-6 أميال بحرية فقط، أصبح الخروج إلى البحر مخاطرة يومية. ومع ذلك، كانت مادلين تصطاد يوميًا ما يقارب 3 كيلوجرامات من السمك، تُباع بحوالي 30 شيكل، وهو مبلغ بالكاد يكفي لتغطية نفقات المعيشة وعلاج والدها.

واجهت نظرات المجتمع المتحفّظة التي لم تتقبل بسهولة امرأة في عرض البحر، لكنها لم تتراجع، بل أثبتت للجميع أن الكفاءة لا تحدّها الأعراف.

وفي عام 2016، صادرت قوات الاحتلال قارب والدها ومعداته، في ضربة موجعة للعائلة، لكن مادلين أصرّت على الاستمرار، فاستأجرت محركًا، وأعادت تشغيل القارب، مواصلةً طريقها بثبات.

لم يكن طموح مادلين أن تبقى وحدها في هذا الميدان، بل حملت رسالتها للنساء الأخريات. نظّمت ورشات لتعليم الصيد وصناعة الشباك، وأسست ناديًا نسائيًا لدعم زوجات الصيادين والعاملات في البحر، كاسرةً بذلك جدار الصمت المجتمعي، ومُلهِمة جيلًا جديدًا من الفتيات.

في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، فقدت مادلين والدها، وتضررت مصادر رزقها، لكنها لم تفقد إرثها الذي تجاوز حدود القطاع.

اختار تحالف أسطول الحرية إطلاق اسمها على إحدى سفنه، لتُصبح "سفينة مادلين" رمزًا عائمًا للمرأة الفلسطينية، وللمقاومة المدنية التي تتحدى الحصار بالقوارب، لا بالسلاح.

هذه الخطوة لم تكن مجرد تكريم لشخص، بل اعترافًا عالميًا بشجاعة فتاة تحدّت الاحتلال والتقاليد، وجعلت من بحر غزة منصة للنضال.

قصة مادلين كُلّاب تجسيد حي لمعنى الصمود. لم تكن بطلتها تحمل سلاحًا، بل شباكًا وقاربًا وعزيمة فولاذية.

علّمت العالم أن الصيد في غزة ليس مهنة فقط، بل معركة يومية من أجل الحياة.

وعلّمتنا نحن أن المسؤولية تبدأ من المنزل، من إعالة الأسرة، من الإيمان بأن التغيير ممكن حتى تحت السماء المحاصرة.

اليوم، حين تُبحر سفينة "مادلين" نحو غزة، فهي لا تحمل فقط مساعدات إنسانية، بل تحكي للعالم قصة فتاة من هذا الشعب، صنعت مجدها من بين الأمواج.

علّموا أولادكم اسم "مادلين"، ليعرفوا أن البطولة ليست في الشهرة، بل في الصبر، والوفاء، والعمل الصامت من أجل الأمل.