المرافعات الالكترونية مشروع عصري ام تهديد لتكوين الاجيال القانونية

تشهد الساحة القانونية في الاونة الاخيرة جدلا واسعا حول مشروع جديد يتم تداوله في اروقة التشريع وهو مشروع المرافعة عبر الانترنت. هذه الفكرة تبدو

المرافعات الالكترونية مشروع عصري ام تهديد لتكوين الاجيال القانونية
المرافعات الالكترونية مشروع عصري ام تهديد لتكوين الاجيال القانونية


بقلم المستشار الدكتور/ محمد ليمونة المحامي بالنقض 
تشهد الساحة القانونية في الاونة الاخيرة جدلا واسعا حول مشروع جديد يتم تداوله في اروقة التشريع وهو مشروع المرافعة عبر الانترنت. هذه الفكرة تبدو في ظاهرها استجابة طبيعية لمقتضيات التطور الرقمي ووسيلة لتخفيف اعباء التقاضي وتسريع الاجراءات الا انها تثير في حقيقتها اشكالات عميقة تمس جوهر مهنة المحاماة ورسالة العدالة. فالمشروع يقدم مزايا لا يمكن انكارها فهو يسهل انعقاد الجلسات دون حاجة الى انتقال القضاة والمحامين والمتقاضين ويخفف الزحام داخل المحاكم ويوفر الوقت والجهد ويواكب التحول الرقمي الذي اصبح لغة العصر. غير ان الوجه الاخر للمشروع قد يكون اكثر خطورة اذ يهدد احدى اهم ركائز العدالة وهي المرافعة الحضورية التي طالما كانت المدرسة الاولى لتكوين المحامي والقاضي.

المرافعة داخل القاعة ليست مجرد القاء كلمات وانما تدريب عملي على بناء الحجة وصناعة الاقناع وهي الميدان الذي يتعلم فيه شباب المحامين اصول الوقوف امام المحكمة وادب الخطاب وكيفية ادارة الخصومة القضائية. ومن خلال الجلسات الحية يكتسب شباب اعضاء النيابة خبراتهم الاولى ويتشربون اسلوب المرافعة الشفهية وروحها. واذا استبدلنا هذه المدرسة بمرافعة عبر شاشة فاننا نخاطر بانتاج جيل قانوني يفتقد الى المهارة الخطابية والخبرة العملية وهو ما يضعف المهنة على المدى الطويل.

الى جانب هذا البعد المهني يثير المشروع عدة مخاطر قانونية لا يمكن اغفالها. فمبدأ العلانية المنصوص عليه في الدساتير مثل المادة 187 من الدستور المصري قد يتعرض للانتقاص اذ تصبح الجلسة عبر الانترنت محصورة في نطاق محدود من المشاركين. كما ان حق الدفاع في مواجهة الشهود مباشرة يضعف عندما يتم عبر شاشة رقمية بما يفقد المحامي القدرة على اختبار صدق الاقوال وكشف التناقضات. فضلا عن ان الضمانات التقنية معرضة للاختراق او التشويش وهو ما يهدد مبدأ المحاكمة العادلة.

العدالة بطبيعتها تحتاج الى التطوير ومواكبة العصر ولا شك ان مشروع المرافعات الالكترونية يعكس وعيا بهذه الحاجة الا ان المصلحة العامة تقتضي التدرج والحذر في تبنيه. فقد يكون من المناسب قصر التطبيق في بدايته على القضايا المدنية البسيطة والابقاء على المرافعات الحضورية في القضايا الكبرى ضمانا للتكوين المهني للشباب مع ضرورة اعداد برامج تدريبية تحاكي المرافعة الواقعية داخل كليات الحقوق والمعاهد القضائية لتقليل الفجوة التي قد تنشأ.

في النهاية يظل مشروع المرافعات الالكترونية معادلة دقيقة بين سرعة الفصل في القضايا وجودة تكوين الاجيال الجديدة من رجال القانون. والاختيار الصحيح ليس في رفض التطور ولا في الاندفاع وراءه دون ضوابط وانما في وضع رؤية متوازنة يشارك فيها المحامون واعضاء النيابة والقضاة حتى لا نفقد في سبيل الرقمنة اهم مدرسة لصناعة المحامي والقاضي وهي قاعة المحكمة الواقعية