من هنا نبدأ … السلوكيات العصرية... بين تحديات الواقع وفرص الارتقاء
تتعدد أنماط السلوك في المجتمعات المعاصرة بفعل التغيرات السريعة التي فرضتها ثورة التكنولوجيا

✍️ بقلم: د. مدحت يوسف
???? التاريخ: 16 سبتمبر 2025
تتعدد أنماط السلوك في المجتمعات المعاصرة بفعل التغيرات السريعة التي فرضتها ثورة التكنولوجيا والانفتاح الثقافي. وهذه السلوكيات ليست مجرد تصرفات فردية عابرة، بل هي انعكاس مباشر لبنية فكرية وقيمية تؤثر في مسار الفرد والمجتمع معًا. من هنا، يصبح التعامل مع هذه السلوكيات على أساس علمي وفكري ضرورة ملحة، لتحويلها من عوائق محتملة إلى أدوات للنهوض وبناء الشخصية المتكاملة.
???? الاستخدام المفرط للتقنية نموذج بارز لسلوك عصري مثير للجدل. فالدراسات العلمية تشير إلى أن الإفراط في الاعتماد على الأجهزة الذكية يحد من التفاعل الاجتماعي ويؤثر سلبًا على القدرات الإدراكية والانتباه. ومع ذلك، فإن التوجيه الواعي لاستخدام التقنية يحولها إلى وسيلة قوية للتعلم المستمر، وتنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي، وهو ما ينعكس إيجابًا على الفرد ويعزز تنافسية المجتمع في بيئة عالمية متسارعة.
???? التسرع في إصدار الأحكام والانفعال المفرط يمثلان بدورهما سلوكيات تهدد التماسك الاجتماعي. فالبحوث في علم النفس الاجتماعي تؤكد أن الانفعال غير المضبوط يقود إلى ضعف العلاقات الإنسانية ويؤثر في الاستقرار النفسي. لكن في المقابل، يمكن تدريب الأفراد على مهارات الحوار والإصغاء والذكاء العاطفي، مما يصنع شخصيات أكثر توازنًا، قادرة على إدارة الخلافات بوعي، وإنتاج قرارات رشيدة تدعم الاستقرار والتنمية.
???? السعي وراء المظاهر الخارجية على حساب القيم الجوهرية هو سلوك آخر متفشٍ في الحياة المعاصرة. فالمجتمعات التي تغرق في المظاهر تفقد تدريجيًا عناصرها الجوهرية في الإنتاج والإبداع. غير أن الدراسات في بناء الهوية تؤكد أن غرس قيم العمل والصدق والالتزام يعزز الشعور بالانتماء ويقوي الهوية الوطنية، بما يحفظ للمجتمع أصالته ويجعله قادرًا على التقدم بثبات في عالم سريع التغير.
????️ ومن أبرز السلوكيات الحديثة ما يرتبط بعالم الوسائل الرقمية والميديا، فقد أصبحت منصات التواصل حياةً افتراضيةً موازيةً للحياة الواقعية. كل فرد صار له عالمه الافتراضي الخاص، مما جعل بناء الشخصية أكثر تعقيدًا. فهي لم تعد شخصية ذات بُعد واحد، بل باتت شخصية مزدوجة: شق طبيعي يعيش في المجتمع الواقعي، وآخر افتراضي يتفاعل مع مليارات الشخصيات الرقمية حول العالم. وهنا تتضاعف خطورة التأثير؛ إذ غدت الميديا بيئة شفافة، جعلت العالم بأسره أشبه بغرفة واحدة يرى فيها الجميع بعضهم البعض، بما يحمله ذلك من إيجابيات الانفتاح وسرعة المعرفة، وسلبيات التقليد الأعمى والاغتراب عن الهوية الوطنية.
⏳ أما قضية الوقت، فهي حجر الزاوية في بناء الحضارات. الأبحاث في مجال التنمية البشرية تثبت أن إدارة الوقت ترتبط بشكل وثيق بمعدلات الإنجاز والإبداع. إهدار الوقت في الانشغال بالتفاهات يؤدي إلى تراجع القدرات الفردية وتباطؤ حركة المجتمع، بينما الاستثمار الفعّال للوقت في العلم والعمل يرفع كفاءة الأفراد ويضع المجتمع على طريق النهضة الحقيقية.
????️ إن بناء شخصية متكاملة وفق مقاييس علمية وفكرية يتطلب توازنًا بين الأصالة والمعاصرة، وبين الهوية الوطنية ومكتسبات العولمة. فالفرد المتجذر في قيم وطنه وتاريخه، والمستوعب لمقتضيات الحاضر، هو القادر على صياغة مستقبل يليق به وبأمته. ومن هنا، فإن التربية القائمة على البحث العلمي والوعي الفكري تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة السلوكيات السلبية، وتحويلها إلى رافعة للتنمية والتطور.
????️ ختامًا... إن السلوكيات العصرية غير المرغوبة ليست تهديدًا بقدر ما هي فرصة لإعادة التوجيه والتقويم. فإذا استطعنا أن نغرس في الأجيال قيم الأصالة مقرونة بمهارات التفكير النقدي والإبداعي، وإذا أحسنا إدارة التوازن بين الشخصية الواقعية والشخصية الافتراضية، فإننا نصنع إنسانًا متوازنًا قادرًا على الجمع بين قوة الماضي، ووعي الحاضر، ورؤية المستقبل، ونحقق بذلك الرقي للفرد والمجتمع وصون الهوية الوطنية الأصيلة.
خطى الوعي DrEng Medhat Youssef Moischool
@topfans
#د_مدحت_يوسف #الأخلاقيات #مدحت #مدحت_يوسف