القطار لا ينتظر أحداً !!

أعترف بلا مواربة أني أهوى ركوب القطارات ولعل هذا الاعتراف وحده كافٍ

القطار لا ينتظر أحداً !!
القطار لا ينتظر أحداً !!

فيصل خزيم العنزى 

أعترف بلا مواربة أني أهوى ركوب القطارات ولعل هذا الاعتراف وحده كافٍ ليكشف جانباً طفولياً فيّ لا أستحي منه ..  بل أحتضنه !!
فكلما صعدت إلى قطار شعرت كأنني دخلت مدينة ألعاب
تعجّ بالمفاجآت والدهشة .. ليست المتعة فقط في السرعة ولا في المقاعد الوثيرة بل في ذلك التوق النبيل إلى التأمل
في تلك النافذة التي تمنحك مشهداً عابراً لحياة لا تعرفها لكنها تترك في قلبك أثراً عميقاً !!

القطار لا ينتظر أحداً .. هو يسير بثقة العارف بطريقه
ونحن من نقف على الأرصفة نترقّب قدومه .. ننتظره كمن ينتظر لحظة صفاء .. أو فرصة عمر !!
في إحدى رحلاتي كنت في مدينة هايدلبيرغ الألمانية تلك المدينة التي تسكنها الأرواح العتيقة فاتفقنا أن نذهب إلى باريس وكانت السيارة في متناول اليد لكني، وبصدق
رفضت .. قلت لهم : “ إما القطار أو لا أذهب .” 
ربما بدا قراري أنانياً لكنه كان صادقاً إذ إنّ حبّي للقطار طغى على كل اعتبار !!
وفي تلك الرحلة حلق بنا القطار بسرعة مذهلة وصلت إلى 330 كم/ساعة .. ومع كل كيلومتر كنت أشعر أنني أقترب من ذاتي من سكينة يصعب أن تجدها في زحمة الطرقات ..

أما في الشرق فهناك قطار الحرمين تحفة الزمن الحديث
ينطلق من مكة إلى المدينة يختصر المسافات كما يختصر العمر لحظة صفاء .. بعد أن كانت المسافة تُقطع بالسيارة في نحو خمس ساعات ها هو يختزلها في ساعتين وربع .. أما في مصر فحديث آخر بين القاهرة والإسكندرية يسير قطار التالجو الجديد أنيقاً راقياً يختصر الرحلة في ساعتين ونصف .. لكنني على الرغم من ذلك أميل إلى القطار التوربيني القديم .. فيه شيء من الأصالة من الحنين يقف في مدن صغيرة وكأنّه يسأل عن أهلها ويُلقي السلام على طرقاتها !!

جربوا القطارات
ليس لأنها وسيلة تنقلكم من مدينة إلى أخرى بل لأنها تجربة تنقلكم من حال إلى حال .. من زحام العالم إلى هدوء التأمل ومن سرعة الحياة إلى بطءٍ مملوء بالمعاني
ففي القطار كل لحظة عابرة تصبح ذكرى
وكل مشهدٍ عارض قد يصبح حكاية .