من هنا نبدأ…من صندوق الانتخاب إلى ميدان المسؤولية
في كل تجربة انتخابية يمر بها الوطن لا تكون اللحظة مجرد تنافس على مقاعد ولا أرقاما
د. مدحت يوسف
في كل تجربة انتخابية يمر بها الوطن لا تكون اللحظة مجرد تنافس على مقاعد ولا أرقاما تعلن في نهايتها النتائج بل تكون مرحلة كاشفة تختبر النوايا وتضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية حقيقية. كل من ترشحوا في انتخابات مجلس النواب من خرجوا من الجولة الأولى ومن لم يحالفهم التوفيق في الإعادة ومن حالفهم النجاح واقتربوا من قبة البرلمان اشتركوا في نقطة جوهرية واحدة وهي أنهم دخلوا هذه المنافسة وهم يعلنون أن الهدف هو خدمة الوطن والمواطن وهذا ما يجب أن يبقى حاضرا في الوعي بعد انتهاء المنافسة.
الواقع يؤكد أن خدمة الوطن والمواطن لا ترتبط بمقعد نيابي ولا تختصر في الوجود تحت قبة البرلمان. فالوطن لم يبنه منصب واحد ولا مؤسسة واحدة بل بناه ويخدمه مخلصون من مواقع متعددة. هناك نواب حقيقيون خارج البرلمان يؤدون أدوارا وطنية صادقة يقدمون العون ويقفون بجوار الناس ويتركون أثرا ملموسا دون ألقاب أو حصانات. العطاء في جوهره قيمة إنسانية ومسؤولية وطنية لا ترتبط بصفة مؤقتة.
ما شهدناه خلال مرحلة الدعاية الانتخابية من حراك واسع وحماس كبير ووعود متعددة وحديث عن الإمكانات ورؤوس الأموال وخيرات الله كشف بوضوح أن كثيرا من المرشحين يمتلكون القدرة على العطاء والعمل. وهنا تبرز لحظة السؤال الصادق مع النفس إذا كانت النية حقا خدمة الوطن والمواطن فلماذا تتوقف هذه الخدمة عند نتيجة انتخابية. احتياجات المواطنين قائمة والتحديات مستمرة والوطن في حاجة إلى كل جهد مخلص سواء من كان داخل المنظومة البرلمانية أو خارجها.
المرحلة الحالية هي مرحلة وعي ومراجعة وليست مرحلة إحباط أو انتصار شخصي. هي لحظة يميز فيها الإنسان نفسه بنفسه. من سعى بشرف وأمانة فليستمر في طريق الخير لأن العطاء لا يقاس بنتيجة انتخاب بل بثبات الموقف وصدق الفعل. ومن أعلن أنه رجل خير فحق على الوطن أن يرى هذا الخير ممتدا في السلوك والعمل لا مرتبطا بمرحلة أو ظرف. إحسان النية والعمل الصادق قد يفتحان أبوابا من الخير أعظم وأبقى من أي موقع أو منصب.
أما من حالفهم التوفيق وأصبحوا قريبين من قبة البرلمان فتهنئة صادقة تعقبها مسؤولية أكبر. لقد حملتم أمانة ثقيلة وأخذتم على أنفسكم عهودا واضحة أمام الله ثم أمام الوطن والمواطنين بأن تكونوا في صف الناس وبينهم تشعرون بهم وتحملون همومهم وتعملون على تلبية احتياجاتهم. قبة البرلمان ليست نهاية الطريق بل بدايته الحقيقية والمنصب ليس تشريفا بل اختبارا يوميا للصدق والكفاءة والالتزام.
وفي النهاية وبكل وضوح الجميع فائز إذا صدقت النوايا لأن الوطن هو الغاية العليا ولأن الأقدار بيد الله وحده وكل إنسان ينال ما كتب له وكل شيء عند الله بمقدار. كانت المنافسة مرحلة وانتهت وبقيت المسؤولية. فلننتقل جميعا من صندوق الانتخاب إلى ميدان المسؤولية متكاتفين من كل موقع من أجل وطن يستحق ومواطن يستحق وخدمة حقيقية لا تتوقف عند لحظة انتخاب بل تبدأ منها وتستمر بالفعل والإخلاص والعمل الصادق. وندعو للجميع بالتوفيق لما فيه الخير للوطن والمواطن ولإرساء دعائم وطن آمن يلبي متطلبات الجمهورية الجديدة.
القاهرة 