من هنا نبدأ... فهنا مصر... وهنا بدأ التاريخ... وهنا يبدأ المستقبل
حين تدق ساعة الحضارة ليبدأ العالم من جديد
✍️ بقلم: د.م. مدحت يوسف
? ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٥
مصر...
حين تدق ساعة الحضارة ليبدأ العالم من جديد
اقتربت ساعة الصفر التي تنتظرها الإنسانية، حيث تستعد مصر لحدثٍ لا يشبه أي حدث في التاريخ الحديث — الافتتاح العالمي للمتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر ٢٠٢٥، ذلك الصرح الذي يقف شامخًا على أعتاب الأهرامات الخالدة، ليكون الجسر الذي يعبر عليه العالم من الماضي العريق إلى المستقبل المشرق.
في هذا اليوم، لن تفتتح مصر مجرد متحف، بل تفتتح ذاكرة العالم، وتكتب فصلًا جديدًا من فصول الحضارة الإنسانية، لتؤكد أنها مهد التاريخ ومصدر النور الأول، وأنها لا تزال، كما كانت منذ آلاف السنين، مركز الإبداع والعلم والثقافة.
إن المتحف المصري الكبير ليس ثمرة مشروع حديث أو رؤية معاصرة فحسب، بل هو نتاج حضارةٍ وُلدت مع فجر الإنسان نفسه. فبينما تتباهى المتاحف العالمية الكبرى — كاللوفر في باريس، والمتروبوليتان في نيويورك، والبريطاني في لندن — بعظمة تصميمها وحداثة معروضاتها، فإنها تظل وليدة العصر الحديث، أما المتحف المصري الكبير فهو ابن آلاف السنين، يحمل في جدرانه روح أجدادٍ صنعوا التاريخ، لا من نقوشٍ فحسب، بل من فكرٍ وإبداعٍ وهِبَه الله لمصر دون سواها.
فأي متحف في العالم هو نتاج حاضرٍ يحكي عن ماضيه القريب، أما المتحف المصري الكبير فهو نتاج ماضٍ صنع الحاضر، ويبني به المستقبل. إن الفرق بينه وبين غيره من المتاحف هو الفرق بين من يروي التاريخ، ومن صنع التاريخ ذاته.
لقد جاء تصميم هذا الصرح على أحدث الأساليب المعمارية العالمية، ليجسد توازنًا مدهشًا بين عظمة الماضي وأصالة التراث من جهة، والحداثة والإبداع التقني من جهة أخرى.
فالمتحف لا يكتفي بعرض القطع الأثرية، بل يُحييها بروح العلم عبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات التفاعلية التي تسمح للزائر أن يعيش التاريخ لحظة بلحظة.
يستطيع الزائر أن يشاهد بعينه كيف شُيّدت الأهرامات، وكيف كانت حياة الملوك والكهنة، وكيف أبدع المصري القديم فنون الطب والهندسة والفلك قبل آلاف السنين.
إنه أكبر متحف أثري في العالم بمساحة تتجاوز ٣٠٠ ألف متر مربع، يضم أكثر من ١٠٠ ألف قطعة أثرية تمتد عبر سبعة آلاف عام، منها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته عام ١٩٢٢.
هذا الصرح لا يُضاهيه أي متحف عالمي، لا في حجم مقتنياته ولا في عمق رسالته، فهو مدرسة مفتوحة للحضارة الإنسانية، ورسالة سلامٍ فكرية وثقافية من مصر إلى العالم أجمع.
ولأن مصر في عصر جمهوريتها الجديدة لا تنظر إلى الوراء إلا لتتقدم للأمام، جاء المتحف ليكون نقطة انطلاقٍ حضارية توظف التكنولوجيا الحديثة لحماية التراث، وتربط الماضي بالحاضر لبناء المستقبل.
إنها رؤية تُعيد تشكيل وعي البشرية وتمنحها ثقافة جديدة تقوم على احترام الجذور، والإيمان بأن التقدم الحقيقي لا يتحقق إلا حين نحافظ على هوية الإنسان وذاكرته الأولى.
هذا الافتتاح العالمي، الذي سيحضره قادة ورؤساء وأمراء من مختلف دول العالم، هو احتفال ليس بمصر فقط، بل بالتاريخ الإنساني كله.
إنه يومٌ يشهد فيه العالم ولادة حضارةٍ متجددة، تُعيد صياغة مفهوم الثقافة العالمية من جديد، وتؤكد أن مصر لم تكن يوماً تابعًا للحضارة، بل كانت هي الحضارة ذاتها.
لقد وهب الله مصر سرّ الخلود وعبقرية الإبداع، فجعلها منارة الفكر وموطن العلم وملهمة العالم منذ بداية الخليقة، ولم تكن صدفة أن تكون أول من كتب وأول من بنى وأول من علَّم.
إنها هبة الله للأرض، تنطق بلسان التاريخ وتخاطب وجدان المستقبل.
وفي ختام هذا المشهد الإنساني الفريد، تبقى رسالة مصر إلى شبابها والعالم واضحة كالشمس:
> أيها الشباب، أنتم امتداد هذه الحضارة الخالدة، فكما أبدع أجدادكم أول مجد على وجه الأرض، أبدعوا أنتم مجد الغد بعقولكم وسواعدكم وإيمانكم بوطنكم.
لا تجعلوا التاريخ ذكرى، بل اجعلوه مصدرًا لقوتكم وبوصلةً لمستقبلكم.
إن المتحف المصري الكبير ليس صرحًا يُعرض فيه الماضي، بل منصةً تُبنى عليها حضارة الغد.
ومن أرض مصر، حيث تدق ساعة الحضارة من جديد، سيبدأ العالم رحلة وعي جديدة، تُعيد للعقل الإنساني اتزانه، وللثقافة معناها، وللإنسان مكانته التي يستحقها.
فهنا مصر... وهنا بدأ التاريخ... وهنا يبدأ المستقبل.
القاهرة 