من هنا نبدأ …الحياة البرلمانية بين الواقع والمراجعة ومسؤولية الدولة في إعادة ضبط المسار
في خضم الزخم الذي تعيشه الساحة السياسية المصرية مع اقتراب انتهاء المراحل النهائية
د.م. مدحت يوسف
في خضم الزخم الذي تعيشه الساحة السياسية المصرية مع اقتراب انتهاء المراحل النهائية للانتخابات البرلمانية تتصاعد حالة عامة من التساؤل والقلق المشروع حول مستقبل الحياة النيابية برمتها هذه الحالة لم تنشأ من فراغ بل جاءت انعكاسا مباشرا لما شهدته مرحلة الإعداد والترشح من أحداث متباينة وسلوكيات متناقضة أفرزت واقعا غير مطمئن لدى قطاعات واسعة من المجتمع حول ما إذا كان البرلمان المقبل سيبدأ عمله وفق الإطار الدستوري الحالي أم أن المشهد سيخضع لإعادة قراءة شاملة تفرضها ضرورات الدولة ومتطلبات المرحلة
هذه التساؤلات التي تدور في الشارع المصري لم تعد محصورة في دوائر السياسة المغلقة بل أصبحت موضوعا عاما تتناقله وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط التواصل الاجتماعي ويشارك فيه الجميع دون استثناء من له خبرة سياسية ومن يفتقدها على حد سواء وهو ما يعكس حجم الانشغال الشعبي بالمشهد ويكشف في الوقت ذاته عن تآكل نسبي في الثقة ناتج عن مشاهد واقعية عايشها المواطن خلال هذه المرحلة
وبرغم هذا الغموض الذي يحيط بالمصير النهائي للمجلس المقبل فإن ما جرى على الأرض من ممارسات انتخابية لا يمكن تجاهله فقد تحولت المنافسة في بعض الدوائر إلى معارك مفتوحة خرجت عن إطار السياسة الرشيدة وتجاوزت حدود الاختلاف المشروع إلى ساحات تمس القيم والأخلاق والاعتبار الاجتماعي من تشويه متعمد وإشاعات مغرضة وتحالفات مؤقتة تحكمها المصالح الضيقة لا الرؤية الوطنية في مشهد لا ينسجم مع طبيعة الدولة المصرية ولا مع ما تطرحه من مشروع حضاري تحت مسمى الجمهورية الجديدة
الأكثر خطورة في هذه المرحلة كان الحضور الطاغي للمال السياسي وما ترتب عليه من تشويه للإرادة الشعبية وإفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الحقيقي فحين يصبح الإنفاق الباذخ وسيلة للوصول إلى مقعد نيابي فإننا نكون أمام أزمة أخلاقية وسياسية في آن واحد لأن من يشتري الصوت لا يمكن أن يكون حارسا عليه ومن يزور الإرادة لا يستطيع أن يعبر عنها والأخطر أن هذا النمط يفرز نوابا مدفوعين بمنطق استرداد ما أنفقوه لا بخدمة من منحهم الثقة وهو ما يهدد جوهر العمل التشريعي والرقابي
في هذا السياق جاءت توجيهات القيادة السياسية خلال الفترة الحالية واضحة في مضمونها ودلالاتها حيث عكست قدرا كبيرا من عدم الرضى عما شهدته الساحة من ممارسات وسلوكيات لا تتسق مع طموحات الدولة ولا مع معايير الانضباط التي تسعى لترسيخها القيادة لم يكن هذا الموقف تعبيرا إعلاميا عابرا بل رسالة سياسية عميقة مفادها أن الدولة تراقب وتقيّم وأن ما حدث لا يمثل الشكل المنشود للحياة السياسية في مرحلتها الجديدة
ومن هنا يصبح الحديث عن تصحيحات قادمة أمرا متوقعا بل ضروريا تصحيحات لا تنطلق من منطق رد الفعل بل من رؤية شاملة لإعادة ضبط المسار بما يحفظ هيبة الدولة ويعيد الثقة في مؤسساتها هذه التصحيحات قد تشمل إعادة النظر في شروط الترشح لمجلس النواب وآليات الرقابة على الحملات الانتخابية ومصادر تمويلها وقد تمتد إلى مراجعات تشريعية وربما دستورية تضع ضوابط أكثر صرامة تمنع تكرار ما جرى وتضمن وصول الكفاءة والنزاهة لا النفوذ والمال
ولا يمكن في هذا السياق إغفال دور الأحزاب السياسية التي خاضت هذه المرحلة وهي تعاني من أزمات بنيوية واضحة فقد كشفت التجربة عن ضعف في قدرتها على الفرز الحقيقي بين المرشحين وعن غياب البرامج الجادة مقابل الحضور الشكلي والشخصنة المفرطة وهو ما أضعف دورها الطبيعي كوسيط بين الدولة والمجتمع هذا الواقع يفرض ضرورة إعادة تعريف دور الأحزاب وإعادة بناء خريطة عملها على أسس أكثر نضجا تقوم على إعداد الكوادر وصناعة السياسات لا مجرد خوض الانتخابات
إن إعادة النظر في الخريطة الحزبية باتت ضرورة وطنية في المرحلة المقبلة بما يضمن وجود كيانات سياسية حقيقية قادرة على استيعاب الوعي المجتمعي المتنامي وتمثيله بصدق والمشاركة الإيجابية في الحياة العامة دون أن تتحول إلى عبء على الدولة أو أداة لإرباك المشهد
وفي هذا الإطار لا يمكن الفصل بين ما جرى في انتخابات مجلس النواب وما سبق أن شهدته مرحلة إعداد وانتخاب مجلس الشيوخ فرغم أن المرحلة الانتخابية للشيوخ قد انتهت فإن ما صاحبها من ملاحظات وسلوكيات هو ذاته ما يتكرر اليوم في الغرفة البرلمانية لمجلس النواب وهو ما يستدعي أن تشمل المراجعة المرتقبة المجلسين معا في إطار رؤية واحدة متكاملة لأن نجاح أي غرفة تشريعية لا يتحقق بالمسميات أو الشكل بل بوضوح الدور وجودة الاختيار والتكامل المؤسسي
إن الجمهورية الجديدة التي تسعى الدولة لترسيخها تقوم في جوهرها على فكرة الدولة المنضبطة القادرة على التعلم من تجاربها وتصحيح مساراتها ونضج القيادة السياسية في هذه المرحلة يعكس إصرارا واضحا على عدم السماح باستمرار الفوضى أو العبث السياسي تحت أي مسمى فالتصحيح هنا ليس تراجعا بل تقدما مدروسا يهدف إلى حماية الدولة وتعزيز ثقة المواطن في منظومتها التشريعية والسياسية
وإذا ما أحسن الجميع قراءة ما حدث وتحولت هذه التجربة بما حملته من سلبيات إلى درس وطني جامع فإن الأفق السياسي المقبل يمكن أن يكون أكثر نضجا واتزانا بثوب جديد وأسلوب مختلف يليق بدولة تخوض معركة بناء شاملة ويعيد للحياة البرلمانية معناها الحقيقي كأداة تشريع ورقابة وخدمة عامة لا كساحة صراع أو سوق للمصالح وبذلك نضع أساسا أكثر صلابة لمستقبل سياسي يتسق مع تطلعات الشعب المصري وروح الجمهورية الجديدة.
#خطى_الوعي #د_مدحت_يوسف #الأخلاقيات #القيادة_السياسية #الهدف #التحدي #النجاح #مجلسـالنواب #مجلسالنواب #مجلسالشيوخ
@topfans خطى الوعي DrEng Medhat Youssef Moischool
القاهرة 