من هنا نبدأ ... من المنصب إلى الرسالة ...كيف تصنع القيادة الحقيقية النجاح

في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتزداد فيه التحديات تعقيدا تتردد على مسامعنا مصطلحات المسؤولية

من هنا نبدأ ... من المنصب إلى الرسالة ...كيف تصنع القيادة الحقيقية النجاح
من هنا نبدأ ... من المنصب إلى الرسالة ...كيف تصنع القيادة الحقيقية النجاح


د.م. مدحت يوسف

في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتزداد فيه التحديات تعقيدا تتردد على مسامعنا مصطلحات المسؤولية والقيادة والإدارة بكثرة حتى أصبحت جزءا من الخطاب اليومي في المؤسسات والمجتمعات. قد تبدو هذه المفاهيم متقاربة في ظاهرها لكنها في العمق تختلف في جوهرها وأساليب تطبيقها ومع ذلك فإن الغاية الكبرى منها جميعا تظل واحدة وهي تحقيق النجاح وبناء منظومة قوية قادرة على الصمود والتطور. والسؤال الجوهري هنا هل يتفوق أحد هذه العناصر على الآخر أم أن تكاملها جميعا هو الطريق الحقيقي للنجاح والإجابة بوعي وتجربة تؤكد أن النجاح لا يولد إلا من رحم هذا التكامل.

المسؤولية هي التزام أخلاقي وعملي بتحمل النتائج والوفاء بالواجبات واتخاذ القرار في الوقت المناسب. والقيادة هي القدرة على التأثير في الآخرين وإلهامهم وشحذ همتهم وتحويل الرؤية إلى واقع. أما الإدارة فهي العلم والفن الذي يضبط الإيقاع وينظم الجهود ويحوّل الأفكار إلى خطط والخطط إلى نتائج. ومن ثم فإن الشخصية التي تتولى موقعا بسيطا كان أو عاليا لا يكفيها أن تمتلك صفة واحدة دون الأخرى إذ لا قيادة بلا إدارة واعية ولا مسؤولية بلا ضمير يقظ ولا إدارة ناجحة دون روح قيادية تبعث الحياة في القرارات.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن أغلب من يتولون مواقع المسؤولية بمختلف درجاتها يشرعون طريقهم بنية صادقة لتحقيق النجاح. يظهر الحماس في البداية وتلمع العيون بالأمل وتُرسم الخطط الكبيرة. لكن مشهد الطريق لا يبقى دائما بنفس الزخم إذ تبدأ التحديات في الظهور ويصطدم الطموح بالواقع وتتناقص الروح المتقدة شيئا فشيئا. وقد يكون السبب في ذلك شعور بالاكتفاء بمجرد الوصول إلى المنصب أو مواجهة عراقيل معقدة أو الاصطدام ببيئة لا تعين على النجاح بل تغرق المسؤول في تفاصيل هامشية وصراعات جانبية.

ومن أبرز أسباب تعثر كثير من المسؤولين فريق العمل الذي يقفون عليه ويقفون بهم. فالفريق هو الذراع الحقيقية لأي قائد وهو المرآة التي تعكس الواقع وهو القوة المحركة لإنجاز المهام. حين يكون الفريق ضعيفا غير مطور أو يفتقر للصدق والشفافية فإن ذلك ينعكس مباشرة على أداء المسؤول مهما بلغت قدراته. الخطورة الأكبر تكمن عندما تُنقل صورة غير حقيقية للواقع ويُصاغ الأداء في تقارير وردية خادعة تبدأ من الموظف البسيط وتصعد تدريجيا في السلم الوظيفي حتى تصل إلى قمة الهرم وكلها تقول كل شيء على ما يرام بينما الحقيقة بعيدة عن ذلك. وهنا تكون بداية انهيار المنظومة لأن أساسها بُني على معلومات مغلوطة.

ولهذا يصبح التفكير خارج الصندوق ضرورة لا خيارا وتصبح المعايير الواضحة للنجاح وقيم الشفافية والمصارحة وتقويم الأداء أدوات بقاء وليست أدوات ترف إداري. فلا مكان للعشوائية في عصر يُقاس فيه كل إنجاز بالأرقام والمؤشرات والمعايير الدولية ولا مجال للجمود في زمن أصبحت فيه سرعة التطور تفوق سرعة التكيف عند كثير من المؤسسات. ولهذا فإن تطوير فريق العمل بصورة مستمرة وإعادة تأهيله ومراجعة أدواره وإحلال الكفاءة محل المجاملة أصبح من أهم مقومات النهضة والتقدم.

ومن الظواهر المؤلمة كذلك أن يتغير المسؤول فتتغير معه القناعات والاتجاهات والاهتمامات لا وفق أولويات المؤسسة بل وفق خريطة الولاءات والعلاقات. فينقسم الفريق إلى من كانوا قريبين من المسؤول السابق ومن ابتعدوا عنه ثم تأتي مرحلة جديدة تتبدل فيها المواقع وتختفي ملفات وتُبعث أخرى لا بقوة الإنجاز بل بقرب الأشخاص. وفي كل مرة يبدأ المسؤول الجديد من الصفر وكأن شيئا لم يُنجز من قبل. ومن هنا تبرز أهمية نظام التسليم والتسلم المؤسسي المنضبط الذي يعد أحد أهم أسرار نجاح المؤسسات الكبرى وعلى رأسها القوات المسلحة حيث تُدار المسؤوليات بروح النظام والاستمرارية لا بروح الفرد والتجربة العابرة. وهذا أحد أسباب قوة قياداتها ودقة أدائها واستمرارية إنجازها.

إن المسؤول الحقيقي لا تتمثل مهمته في إصدار التعليمات فقط بل في أن يكون منسقا وداعما وممكنا لفريقه وحلقة وصل بين الإمكانات والتحديات. أما القائد الواعي فهو من يزيل العقبات من طريق الآخرين ويصنع من حوله قادة ويزرع فيهم روح المبادرة والانتماء ويحوّل العمل إلى رسالة وطنية لا مجرد وظيفة.

النجاح في حقيقته ليس صورة تُلتقط ولا منصبا يُحصد بل هو أثر يُترك ومسار يُمهد وأجيال تستلهم التجربة. وكل إنسان يحمل في داخله قدرا من هذا النجاح لكنه يحتاج إلى من يوقظه ويوجهه ويمنحه البيئة الصالحة لينمو ويؤتي ثماره. وحين تتكامل القيادة مع المسؤولية والإدارة تتكوّن المعادلة الذهبية التي تُبنى بها المؤسسات وتنهض بها الأوطان ويُصان بها الأمن والاستقرار وتتحقق بها الحياة الكريمة.

إن رسالتي إلى كل مسؤول في موقعه صغيرا كان أو كبيرا أن يتذكر دائما أن المنصب تكليف لا تشريف ومسؤولية لا مكسب ورسالة لا زينة. وأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما نأخذه من الدنيا بل بما نضيفه إليها. فإذا صلحت النية وتكامل الفكر وتطورت الأدوات واستقام الضمير فحينها فقط تتحول المسؤولية إلى قيادة وتتحول القيادة إلى تاريخ مشرف ويصبح النجاح واقعا لا شعارا.
#خطى_الوعي #د_مدحت_يوسف #الأخلاقيات #التحدي #الهدف #مدحت #النجاح