الرجوع إليه !!
بطلها : قلب لم يملّ الانتظار !!

بقلم فيصل خزيم العنزى
في ردهات جامعة القاهرة العتيقة حيث يختلط عبق التاريخ بأنفاس الأحلام الأولى التقت نظرات لا تعرف المصادفة !!
هو شاب خليجي جاء من من أرضٍ دافئة بالحنين يحمل في حقيبته دفاتر جامعية وبعض الحنين وكثيراً من الأحلام !!
وهي فتاة مصرية من عائلة أرستقراطية تعيش في برجها العاجي كما تعيش الأميرات في حكايات لا يُصدّقها أحد لكنها كانت تشتاق إلى ما يشبه الحب الحقيقي … ذلك الشعور الذي لا تُحدّه الألقاب ولا تقيّده العادات !!
جمعت بينهما مقاعد المحاضرات وحديث الكتب وارتباك الأعين .. سرعان ما أصبحت النظرات حديثاً .. والحديث مودة .. والمودة حبّاً لا يُخفى !!
هو أحبها كما لم يحب رجل من قبل بقلب لا يعرف الحذر
وهي منحته قلبها كما لو كان آخر الفرسان في زمنٍ ضيّع فرسانه !!
لكن الحب لا يعيش في الخيال وحده ..
فالواقع كان أقسى من الحلم ..
لم تكن الحرب بين قلبين .. بل حولهما !!
بين تقاليدٍ ترى في الغريب تهديداً وفي الحب فضيحة !!
والدها بثقله الاجتماعي ومرآته اللامعة رأى في ذلك الحب صعب تحقيقه !!
فنطق قراره كمن يُسدِل ستاراً على مسرح لم يكتمل :
لن تتزوجيه !!
فُرِض عليهما الفراق كما تُفرض الأحكام
لم يكن هناك وداع .. فقط انسحاب مفاجئ، وصمتٌ يصفع القلب كلما حاول أن يتذكّر !!
مضى كل منهما في طريقه
لكنهما لم ينجوا من بعضهما
هو تزوّج كما أراد والده
وكانت زوجته ضحية حبٍ لم تكن بطلته
حاول أن يحبها لكن قلبه كان مسكوناً بأخرى !!
افتعل المشكلات هرب إلى العمل ثم عاد فقط حين جاء الأبناء !!
وهي أيضاً تزوّجت ..
أنجبت .. وابتسمت في الصور العائلية !!
لكنها كانت تشعر أن بعض الحرائق لا تطفئها السنوات
وأن هناك حباً لا يموت .. بل يختبئ !!
مرت خمسة وعشرون عاماً
وهو يتابع أخبارها كعاشق يقرأ رسائل لم تُرسل
يبحث في الصحف عن اسمها
وفي الملامح عن ملامحها
وفي كل امرأة .. عنها !!
ثم جاء ذلك اليوم
وفاة زوجها
الخبر كان عادياً للناس
لكن لرجلٍ واحد فقط
كان له طعم الحياة !!
دخل مجلس العزاء بهدوء كأنه لا يريد إيقاظ قلبه
لكنه كان يخفق كما يخفق شابٌ يطرق أول باب
نظر إلى النساء يبحث عن وجهها في الزحام
وحين رآها .. قال في نفسه :
“ هي الآن حرّة .. أما آن لهذا القلب أن يرتاح ؟”
لم يذرف دمعة ..
كان صامتاً ..
لكن من يعرفه سيشعر أن الحنين يملأ عينيه !!
كان الوحيد في العزاء الذي حضر من أجل الحياة لا الموت !
وبعد عام
ذهب إليها
لا ليعزّي
بل ليعيد الزمن
لم يتردد
لم يخف
قال لها بصوت رجلٍ عرف طعم الهزيمة :
في المرة الأولى هُزمت
ولكن هذه المرة لن أُهزم !!
نظرت إليه بدهشة امرأةٍ اعتقدت
أن الحب يموت بعد أن يُدفن تحت أوراق الحياة
فإذا به يعود حيّاً أكثر نضجاً أكثر صدقاً
ابتسمت
وغنّى قلبها كلماتٍ قديمة
قالت كما كتب نزار :
ورجعتُ ما أحلى الرجوع إليه !!
أخذ بيدها
لم يكن اللقاء عاشقين فقط
كان التئام قلبين نُزفَا كثيراً
همس لها بما خبأه دهراً من غازي القصيبي :
أيا رفيقة دربي !
لو لديّ سوى
عمري
لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري !!
سألوها عنه
فقالت دون تردد :
كان يعشقني بكل ما فيه من عنف وإصرار !!
وسألوه عن سر هذا الحب المجنون
فابتسم وقال :
ما الحب إلا أن تنتظر أحداً خمسًا وعشرين سنة
دون أن تملّ من الانتظار !!
وهكذا .. اجتمعا أخيراً
لا كعاشقين فقط
بل كناجين من معركة خاضوها
بالصدق والخذلان والصبر !!
وفي النهاية أثبتا ما ظنه الناس وهماً :
أن الحب الحقيقي لا يموت
قد يتأخر
قد يتوارى
لكنه
يعود !!