من هنا نبدأ... وعي الأمة يصنع برلمانها

في كل مرحلة فاصلة من عمر الأوطان، تكون الكلمة الفصل للشعوب الواعية، التي تدرك

من هنا نبدأ... وعي الأمة يصنع برلمانها
من هنا نبدأ... وعي الأمة يصنع برلمانها


بقلم: د. مدحت يوسف

في كل مرحلة فاصلة من عمر الأوطان، تكون الكلمة الفصل للشعوب الواعية، التي تدرك مسؤولياتها، وتحسن خياراتها، وتصنع بإرادتها مؤسساتها التي تمثلها وتحمل صوتها.
ومصر، اليوم، على موعد جديد مع الاختيار... لا مجرد اختيار أشخاص، بل اختيار رؤية، ومسار، ومستقبل.
فنحن نستعد لانتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهما جناحا التشريع والدستور، ودعامة الجمهورية  الحديثة.

إنها لحظة تتطلب فهمًا عميقًا لطبيعة كل مجلس، ولمواصفات من يمثلنا داخله، ولدورنا كمواطنين مسؤولين عن بناء المؤسسات بإرادتنا الحرة ووعينا الوطني.

▌مجلس النواب... صوت الشعب في مواجهة التحديات

يمثل مجلس النواب السلطة التشريعية الأولى، وهو المسؤول عن إصدار القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، وتمثيل مطالب الشعب.
وبالتالي، فإن النائب ليس مجرد وسيط للخدمات، بل هو صانع للتشريع، حارس للعدالة الاجتماعية، لسان المواطن، وعين الرقابة الشعبية.

وعليه، فإن من يترشح لهذا المجلس يجب أن يتحلى بـ:

فهم قانوني وتشريعي جيد.

قدرة على التفاوض والتأثير في صناعة القرار.

وعي حقيقي بقضايا الناس دون استغلال.

إلمام بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد.

توازن بين تمثيل دائرته والولاء للوطن بمفهومه الأوسع.

▌مجلس الشيوخ... عقل الدولة ومركز الثقل الوطني

أما مجلس الشيوخ، فهو العقل المفكر للدولة، يدرس السياسات العامة، ويناقش القضايا الاستراتيجية، ويصوغ الرؤى طويلة المدى.

هنا، لا مكان للشعارات أو الحضور الدعائي. نحتاج إلى:

أصحاب الخبرات العميقة في التعليم، الاقتصاد، الأمن، الثقافة، والعلاقات الدولية.

أكاديميين، خبراء، مفكرين، قادة رأي، شخصيات تمتلك القدرة على تقديم المشورة الموضوعية المدروسة.

رجال دولة لا رجال مرحلة.

فالشيوخ هم من يضبطون البوصلة، حين تختلط الأصوات، ويعيدون التوازن حين تغلب العاطفة على الحكمة.

▌كيف نختار؟ مسؤولية الناخب قبل المرشح

أخطر ما تواجهه أي ديمقراطية ناشئة هو الاختيار العاطفي، أو القبلي، أو القائم على المصالح الشخصية.

الناخب الواعي يجب أن يضع أمام عينيه أسئلة حاسمة:

ما السيرة الذاتية لهذا المرشح؟

هل لديه برنامج واقعي؟

هل يعرف التحديات الحديثة التي تواجه الوطن؟

ما مدى قدرته على تمثيلي والتعبير عني؟

هل هو أهل للثقة أم مجرد واجهة؟

إن المشاركة الحقيقية تبدأ من فهم الناخب لدوره الوطني، وأن صوته قد يصنع مستقبل التشريع في بلاده.

▌مصر في عصر جديد... فهل نملك الأدوات البشرية له؟

نحن نعيش في عصر التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والحوكمة الذكية، والتغير المناخي، والصراعات الدولية المعقدة.
فهل يُعقل أن نختار ممثلينا بنفس معايير العقود الماضية؟
هل يكفي أن يكون المرشح "محبوبًا" أو "متحدثًا جيدًا"؟

بل نحتاج إلى من:

يعي الثورة الصناعية الرابعة.

يُدرك احتياجات التعليم الحديث.

يفهم ملفات الطاقة والمياه والبيئة.

يُواكب التشريعات الدولية.

يتقن التواصل الرقمي والحماية السيبرانية.

الوطن لا ينتظر، والمتغيرات لا ترحم، ولا مجال للمجاملة أو العشوائية.

▌من هنا نبدأ... بوعي نرتقي

من هنا نبدأ... حين ندرك أن كل صوت هو قرار سياسي، وكل اختيار هو عقد وطني، وكل مرشح هو انعكاس لثقافتنا الجماعية.

نبدأ حين يُدرك المرشح أن الكرسي ليس مكسبًا بل أمانة، وأنه لن يُسأل عما وعد، بل عما أنجز.
ونبدأ حين يُدرك الناخب أن صوته ليس سلعة، ولا معروفًا، بل هو شهادة أمام الله والتاريخ.

من هنا نبدأ... حين نصنع برلمانًا يشبه طموح مصر، لا يكرر أخطاء الماضي، بل يُشرّع للمستقبل، ويُراقب بالعدل، ويعمل من أجل المواطن لا من أجل الدعاية.

▌رسالة للمرشح والناخب معًا

أيها المرشح: جهّز علمك قبل لافتاتك، ومشروعك قبل صورك، وبرنامجك قبل وعودك.

أيها الناخب: لا تمنح صوتك إلا لمن يستحقه، فقد يصوغ هذا الصوت قانونًا يؤثر في مصير أولادك.

من هنا نبدأ... بوطن يصنعه وعي أبنائه، لا ضجيج الانتخابات.