مصر ورسم معادلات القوة في الشرق الأوسط
ما يجري في المنطقة اليوم ليس مجرد تصعيد عابر أو توتر مؤقت بل هو إعادة تشكيل شاملة لموازين القوى حيث

ما يجري في المنطقة اليوم ليس مجرد تصعيد عابر أو توتر مؤقت بل هو إعادة تشكيل شاملة لموازين القوى حيث تسعى كل دولة لترسيخ نفوذها وتأمين موقعها في المشهد القادم وبينما تتحرك القوى الكبرى وفق مصالحها وتعيد ترتيب حساباتها يبقى السؤال الأهم
أين موقع مصر من كل ذلك؟
مصر ليست مجرد دولة عابرة في المنطقة بل هي حجر الزاوية في أي توازن عربي فهي تمتلك أقوى الجيوش العربية وخبرة دبلوماسية عميقة فضلًا عن موقع استراتيجي يجعلها في قلب أي معادلة جيوسياسية لكن القوة وحدها لا تكفي بل يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لكيفية استغلال هذه القوة وتحويلها إلى نفوذ حقيقي يفرض معادلات جديدة بدلًا من مجرد الاكتفاء بردود الأفعال
إن السياسة المصرية حافظت على استقرارها في ظل اضطرابات إقليمية كبرى لكنها الآن بحاجة إلى التحول من حالة التوازن إلى حالة التأثير فالتحديات الحالية لا تحتمل الحياد المطلق بل تتطلب مواقف واضحة تضمن تحقيق المصالح المصرية والعربية في ظل إعادة رسم الخرائط السياسية والعسكرية فلم يعد كافيًا أن تكون مصر مراقبًا ذكيًا بل يجب أن تتحول إلى قائد فاعل يرسم التوجهات بدلًا من أن يتأثر بها
إن الدور المصري يجب أن يقوم على عدة محاور أساسية أولها تعزيز التعاون العسكري العربي الحقيقي وليس الشكلي لأن الحروب القادمة لن تكون تقليدية فقط بل تكنولوجية واستخباراتية وثانيها بناء تحالف اقتصادي عربي متكامل يقلل من الاعتماد على القوى الخارجية ويضمن استقلال القرار السياسي أما ثالثها فهو التحرك الدبلوماسي المبكر لمنع أي طرف خارجي من فرض معادلات لا تخدم المصالح العربية فالقوة السياسية لمصر يجب أن تسبق الأزمات لا أن تكتفي بإدارتها بعد وقوعها
إن مصر ليست مجرد دولة في المعادلة الإقليمية بل هي الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه وإذا استطاعت أن توظف إمكانياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية بشكل استراتيجي فستكون القائد الفعلي للمنطقة بدلًا من أن تظل مجرد طرف يحاول الحفاظ على استقراره وسط العواصف فالتحديات كبيرة لكن الفرصة أكبر والتاريخ لا ينتظر من لا يتحرك لصناعته
إن الواقع الإقليمي الحالي يفرض على مصر مسؤولية مضاعفة فالتوازنات التقليدية تنهار والتحالفات تتغير والصراعات تشتد على كل الجبهات وأي تأخير في صياغة رؤية واضحة سيجعل مصر في موقف رد الفعل بدلًا من الفعل وهذا ما لا يليق بدولة بحجمها وثقلها السياسي والتاريخي فالتحرك المصري يجب أن يكون قائمًا على بناء أدوات القوة الشاملة وليس مجرد الاعتماد على قوة الجيش وحدها فالحروب القادمة لن تُحسم فقط بالسلاح بل بالاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا والاستخبارات وكل هذه العناصر يجب أن تكون جزءًا من المعادلة المصرية لا يمكن لمصر أن تترك المجال مفتوحًا أمام قوى إقليمية أخرى لترسم مستقبل المنطقة وفق مصالحها بينما تكتفي هي بمحاولات ضبط الإيقاع أو تجنب الدخول في صراعات طويلة .
إن الأمن القومي المصري لم يعد مسألة حدودية فقط بل أصبح مرتبطًا بكل ما يجري في المنطقة من اليمن إلى سوريا ومن لبنان إلى ليبيا فكل نقطة توتر تتحول لاحقًا إلى تهديد مباشر إذا لم يتم التعامل معها بحسم مبكر والتحرك لا يجب أن يكون عسكريًا فقط بل اقتصاديًا أيضًا لأن النفوذ الاقتصادي هو السلاح الأهم في معادلات القوة الحديثة والتحالفات يجب أن تكون استراتيجية وليست مجرد رد فعل على الأزمات .
العالم الأن لا ينتظر المترددين والتاريخ لا يرحم من يتجاهل إشارات التغيير وإذا أرادت مصر أن تحافظ على مكانتها وتؤمن مستقبلها فعليها أن تنتقل من موقع الدفاع إلى موقع القيادة وأن تفرض إرادتها في رسم التوجهات لا أن تنتظر لترى ما ستفرضه الأحداث فالمستقبل لن يكون لمن يملك القوة فقط بل لمن يعرف كيف يستخدمها بذكاء وفي التوقيت المناسب .
مصر أمام لحظة فارقة لا تحتمل التردد ولا الحسابات الضيقة فإما أن تفرض واقعًا جديدًا يعكس قوتها وإما أن تترك الساحة لغيرها ليعيدوا ترتيب الأوراق بما لا يخدم مصالحها التحديات واضحة لكنها ليست أصعب مما واجهته مصر في مراحل سابقة التاريخ يشهد أن مصر كانت دائمًا صاحبة القرار في لحظات التحول الكبرى وإذا اختارت الآن أن تكون في موقع القيادة فلن يستطيع أحد أن يتجاوزها .
التحركات المصرية يجب أن تسبق الأحداث لا أن تكتفي بردود الأفعال وهذا يعني بناء تحالفات حقيقية قائمة على المصالح المشتركة لا مجرد تفاهمات آنية تنتهي مع أول اختبار يجب أن يكون هناك مشروع مصري واضح يعيد صياغة مفهوم الأمن القومي العربي ويضمن لمصر دورًا رئيسيًا في كل الملفات الإستراتيجية .
السياسة وحدها لا تكفي بدون قوة اقتصادية تضمن استقلال القرار المصري فلا يمكن لمصر أن تبقى أسيرة الضغوط الاقتصادية التي تفرض عليها مواقف معينة أو تحد من قدرتها على المناورة لهذا يجب أن يكون هناك تكامل اقتصادي عربي يقوده العقل المصري بحيث يتم خلق قوة اقتصادية حقيقية تجعل القرار السياسي العربي مستقلًا وقادرًا على مواجهة أي تدخلات خارجية .
الإعلام هو أحد أهم أسلحة العصر والحرب اليوم ليست فقط على الأرض بل في العقول ولذلك لا بد أن تكون لمصر إستراتيجية إعلامية واضحة تستطيع من خلالها التأثير في الرأي العام العربي والدولي والتصدي لمحاولات التضليل التي تسعى لفرض أجندات تخدم أطرافًا أخرى لابد من صناعة محتوى إعلامي قوي يعبر عن المصالح العربية ويكشف المخططات التي تستهدف استقرار المنطقة .
التكنولوجيا العسكرية والمعلوماتية أصبحت جزءًا من معادلة القوة الحديثة ولا يمكن لمصر أن تبقى معتمدة فقط على التسليح التقليدي بل يجب أن تستثمر بقوة في تطوير قدراتها التكنولوجية في المجال العسكري والاستخباراتي لأن المعارك القادمة لن تحسمها الطائرات والدبابات فقط بل الذكاء الصناعي والأمن السيبراني والمعلومات الدقيقة .
المواجهة القادمة ليست فقط مواجهة عسكرية بل هي صراع شامل على النفوذ والمكانة ومن يخطئ في قراءة المشهد الآن سيدفع الثمن لاحقًا مصر لديها كل المقومات التي تجعلها قوة إقليمية كبرى لكنها تحتاج إلى رؤية إستراتيجية واضحة تجعلها في موقع الفعل لا رد الفعل وتضمن أن تكون جزءًا من صناعة القرار العالمي لا مجرد متأثرة به إذا أدركت مصر ذلك وتحركت وفق خطة مدروسة فسوف تكون الرقم الأصعب في أي معادلة قادمة .
الوقت ليس في صالح المترددين والتاريخ لا يمنح الفرص لمن ينتظرها بل لمن يصنعها ومصر اليوم تمتلك كل المقومات التي تجعلها صاحبة الكلمة العليا في تحديد مستقبل المنطقة لكن هذا يتطلب تحركًا استباقيًا بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الانتظار حتى تفرض الأحداث نفسها .
مصر ليست مجرد لاعب ضمن معادلة الشرق الأوسط بل يجب أن تكون هي المعادلة نفسها هي التي تضع الأسس وترسم الخطوط وتحدد الاتجاهات فلا يمكن أن تبقى في موقع المتلقي لما يقرره الآخرون بينما تمتلك من الأدوات ما يجعلها القائد الفعلي .
التحالفات الإقليمية يجب ألا تكون مجرد تفاهمات مؤقتة تخضع للظروف بل ينبغي أن تقوم على رؤية استراتيجية بعيدة المدى فلا يكفي أن يكون هناك تنسيق عسكري وقت الأزمات فقط بل يجب أن يكون هناك مشروع متكامل يجمع بين الأمن والاقتصاد والسياسة والإعلام لأن النفوذ لا يُبنى بالقوة وحدها بل بالقدرة على التحكم في مفاتيح اللعبة بكل أبعادها .
الاقتصاد هو سلاح القرن الحادي والعشرين والدولة التي لا تمتلك استقلالًا اقتصاديًا حقيقيًا لن تستطيع فرض إرادتها السياسية ولهذا فإن بناء قاعدة إنتاجية قوية تعتمد على الاستثمار في التكنولوجيا والتصنيع العسكري والطاقة المتجددة يجب أن يكون على رأس الأولويات المصرية فلا يمكن أن تبقى مصر رهينة للأسواق العالمية أو للضغوط الاقتصادية الخارجية التي تتحكم في قراراتها بل يجب أن تتحول إلى مركز اقتصادي محوري يضمن لها حرية الحركة والمناورة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية .
الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار بل أصبح سلاحًا يحدد توجهات الشعوب ويعيد تشكيل الإدراك الجمعي ومن يملك السيطرة على المعلومة يملك القدرة على توجيه الأحداث ولهذا فإن بناء منظومة إعلامية مصرية قوية قادرة على منافسة المنصات العالمية والتأثير في الرأي العام العربي والدولي هو أمر حتمي فلا يمكن أن تظل الساحة مفتوحة أمام القوى الأخرى لتفرض سردياتها بينما يبقى الصوت المصري غائبًا أو ضعيفًا .
والتكنولوجيا أصبحت هي مفتاح التفوق في أي صراع ومن يسيطر على البيانات والمعلومات يملك زمام الأمور ولهذا فإن تطوير قدرات مصر في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحروب الإلكترونية يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من معادلة الأمن القومي المصري لأن التهديدات لم تعد تقتصر على الحدود التقليدية بل أصبحت تمتد إلى الفضاء الرقمي حيث تُحسم المعارك قبل أن تبدأ على الأرض .
مصر ليست دولة هامشية في هذه المعادلة بل هي الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه وإذا استطاعت أن تستغل إمكانياتها بالشكل الصحيح فسوف تكون هي التي تحدد قواعد اللعبة في الشرق الأوسط لا مجرد لاعب ضمنها والمستقبل لن يكون لمن يملك القوة فقط بل لمن يعرف كيف يستخدمها بحكمة وذكاء وهذه هي معركة مصر الحقيقية اليوم.