دكتور مروة إبراهيم: «التطوير المؤسسي»

سوسن زايد
من أبرز مشكلات كثير من المؤسسات أنها لا تعترف أصلًا بوجود خلل، فتدار الأزمات بالإنكار أو التجميل، مما يزيد الوضع سوءًا. والأسوأ من ذلك، أن يوجه جهد التطوير إلى مواضع غير صحيحة، فيصلح ما لا يستحق الإصلاح، ويترك موضع المشكلة الحقيقي دون مساس.
التطوير المؤسسي الحقيقي لا يبدأ إلا من لحظة الاعتراف الصريح بالمشكلة، والسعي الجاد لاكتشاف أسبابها الجذرية، ثم معالجة الخلل بعمق وبطريقة منهجية مدروسة.
المراحل الجوهرية لأي عملية تطوير مؤسسي ناجحة:
١- تشخيص الواقع واكتشاف المشكلات الجذرية:
لا يمكن إصلاح ما لا نفهمه. تبدأ العملية بفحص شامل ودقيق للمنظومة من الداخل، وتحليل الأداء، والبحث عن المشكلات الحقيقية وليس مجرد أعراضها.
مثال: لاحظت مؤسسة انخفاضًا في رضا العملاء، فبدلًا من لوم قسم خدمة العملاء فقط، تم إجراء مراجعة شاملة، واكتُشف أن السبب الحقيقي هو تأخر في عمليات التسليم بسبب ضعف التنسيق بين الإدارات.
٢ - تحليل الأسباب والبحث عن الحلول المثلى:
بعد اكتشاف المشكلات، يجب تحليل أسبابها الجذرية وليس الاكتفاء بالحلول السريعة أو المؤقتة.
مثال: وجد أن تأخر التسليم يعود إلى عدم وجود نظام متابعة موحد بين المخازن وقسم المبيعات. فكان الحل هو تصميم نظام رقمي متكامل يربط بين الإدارتين، ويتيح متابعة الطلب لحظة بلحظة.
٣ - تصميم خطة تطوير شاملة:
الخطة يجب أن تكون عملية، قابلة للتنفيذ، وتشمل أهدافًا واضحة، وآليات قياس، وتوزيعًا دقيقًا للأدوار والمسؤوليات.
مثال: بناءً على التشخيص، تم إعداد خطة تدريبية
تستهدف مديري الأقسام لتعزيز مهارات التنسيق والتخطيط التشغيلي، مع تطوير إجراءات الربط بين الإدارات باستخدام نظام إلكتروني جديد.
٤ - التنفيذ المرحلي مع إشراك العاملين
التطوير لا ينجح إذا تم فرضه من الإدارة العليا دون مشاركة فعلية من العاملين.
مثال: بدأ تنفيذ النظام الجديد أولًا في فرع واحد كتجربة، مع تشكيل فريق دعم فني داخلي ومجموعة من الموظفين لتقديم الملاحظات، قبل تعميمه على باقي الفروع.
٥ - التقييم المستمر والتعديل
التطوير المؤسسي عملية ديناميكية تتطلب مراجعة دورية وتعديلات مستمرة لضمان الاستدامة.
مثال: بعد مرور ٣ أشهر، أظهرت البيانات تحسنًا بنسبة ٤٠٪ في سرعة الاستجابة للعملاء، لكن ظهرت ملاحظات من الموظفين حول صعوبة استخدام بعض خصائص النظام، فتم تعديل التصميم بناء على التغذية الراجعة.
التطوير المؤسسي لا يحدث في بيئة تنكر المشكلات أو تتهرب منها، بل في مؤسسة تملك شجاعة المواجهة، وصدق التشخيص، ومرونة التنفيذ.
لا تخشى الاعتراف بالمشكلة، فالاعتراف أول درجات القوة. المؤسسات التي تواجه الواقع بشجاعة، هي وحدها القادرة على صناعة واقع أفضل.