"خليل الرواف" البدوي الذي طرق أبواب هوليوود

فيصل خزيم العنزى
في مطلع القرن العشرين خرج شاب نحيل الجسد واسع الطموح من صحراء بريدة في وسط المملكة العربية السعودية .. حاملاً زوّادته من الأحلام والتجارة والكرامة .. اسمه خليل الرواف .. لم يكن يدري أن خطاه المتعثّرة بين أسواق العرب ستقوده يوماً إلى قلب هوليود .. وأن قلبه هو الآخر سيتورّط في حبٍّ لا يشبه ما سمعه من أغاني البادية ولا ما قرأه من حكايات ألف ليلة وليلة !!
في عام 1933 وعلى ضفاف دجلة وتحديداً في فندق دجلة ببغداد .. التقت نظراته بنظرات فتاة أمريكية يملؤها الثراء وتغلفها دهشة الشرق !!
انجذبت إليه كمن يُبصر الحياة لأول مرة .. كان بدويّاً أسمر يشبه القصيدة .. خشن الصوت .. نقيّ القلب ..
دارت بينهما كؤوس الهوى لا خمراً بل حكايات .. ثم أسلمت وتزوّجته في الشام .. ومن هناك بدأت الرحلة العجيبة إلى أمريكا !!
جالت معه بين الولايات شاهدة على شرقيته التي كانت تغلي كلما اصطدمت بصخب الغرب .. كانت القلوب متشابكة لكن الأرواح ضائعة !!
لم يحتمل ذاك الانفتاح المتفلت .. فطلّقها ومضى .. لم تكن تلك نهاية حكايته بل بدايتها الجديدة مع هوليود حيث شارك في فيلم “ كنتُ مراسلاً حربيّاً ” ليصبح أول عربي تطأ قدماه أرض السينما الأمريكية !!
في عام 1945 تزوّج من أمريكية أخرى رزق منها بولدٍ سمّاه “نواف” حمل فيه خليل كل ما تبقى من حلمٍ ومسؤولية .. لكن الأقدار لم تمهله فافترق الزوجان وحكمت المحكمة للأم بحضانة الطفل .. ثم وفي هدوءٍ يشبه انطفاء شمعةٍ وحيدة .. صفّى خليل الرواف أعماله وعاد إلى وطنه حاملاً فراغاً لا يملؤه المال ولا المجد .. فقط نواف !!
غيرت الأم اسم الطفل نواف إلى كلايف واختفت .. وضاع الابن في زحمة الحياة الأمريكية .. وضاع الأب في شيخوخةٍ طويلة لا تطفئ نار القلب .. خمسون عاماً والرواف يبحث عنه .. خمسون عاماً بين صمتٍ مرير وخيبةٍ متكررة .. حتى كان عام 1990 حين دقّ الهاتف وكان الصوت :
خليل : أنا خليل
أم نواف : لا أصدّق ! سعيده أنا أن أسمع صوتك من جديد !
خليل : وأنا كذلك عمري الآن خمسة وتسعون !
أم نواف : صوتك مازال شاباً !!
خليل : مضت سنوات كثيرة أود أن نلتقي لكني أخشى ألا تريدي مقابلتي ؟!
أم نواف : بل إنني أنتظر ذلك حتى نتقابل !!
يا لها من لحظة
حين يتصافح الزمان
ويعود القلب ينبض كأنه لم يُكسر يوماً
وجد “نواف”، أو “كلايف”، وعانق شيئاً من الماضي قبل أن يُغلق الستار بهدوء !!
في عام 2000 رحل خليل الرواف عن عمرٍ كبير .. 105 أعوام عاشها ممتلئة بالعشق والشتات والسينما والبحث عن الابن المفقود !!
لم يكن خليل الرواف رجلاً عادياً
كان بدوياً بكبرياءه
حضاريّاً بوعيه
إنسانياً بعواطفه
ورغم تقلبات الزمن
ظلّ يملك شيئاً لا تُشترى به الدنيا :
النبض الحيّ للحلم !!
-