ثورة الشك وجعٌ على هيئة لحن !!
في سماء الشعر الغنائي العربي تلمع نجومٌ تضيء الوجدان وتخاطب القلب بلغةٍ لا يجيدها إلا من لامس الألم والصدق معاً

فيصل خزيم العنزى
في سماء الشعر الغنائي العربي تلمع نجومٌ تضيء الوجدان وتخاطب القلب بلغةٍ لا يجيدها إلا من لامس الألم والصدق معاً
ومن بين تلك النجوم المضيئة تتوهج قصيدة “ثورة الشك” لسمو الأمير عبدالله الفيصل .. واحدة من أصفى تجليات العاطفة التي صاغها قلمٌ ملكي مغموسٌ بالحنين والدهشة والشك الذي يُوجِع لأنه جاء من موضع الحب لا الجحود !!
هي ليست قصيدة عابرة بل زلزال وجداني يهز الأرواح .. ففي مطلعها وحده يزرع الشاعر قلقه فينا :
أكادُ أشكُّ في نفسي لأني
أكادُ أشكُّ فيكَ وأنتَ مني !!
يا لها من بداية !
بيتٌ يحمل على كتفيه أزمة ثقة لا في الآخر فحسب بل في الذات التي أحبّت حتى الذوبان .. فالحبيب ليس شخصاً غريباً بل هو الامتداد والنبض والظل .. فكيف يكون منه الخذلان ؟!
ثم ينهمر العتاب كنبض القصيدة :
يقولُ الناسُ إنك خُنتَ عهدي
ولم تحفظْ هوايَ ولم تصُنني !!
ما أصعب أن يأتي الجرح من الذين تمنّيناهم وطناً !
هنا يعلو صوت الحزن النبيل ويختلط الكبرياء بالانكسار وتنبض الكلمات بنار لم تطفئها الخيبات بل أجّجتها !!
ولأن الشعر الجميل لا يكتمل إلا حين تهمس له الموسيقى جاء العبقري رياض السنباطي فأخذ هذه القصيدة ونسج لها لحناً أسطورياً من مقام الألم والدهشة .. لم يلحنها.. بل تأمّلها .. ثم سكبها موسيقى تليق بفخامة كلماتها !!
وغنّتها كوكب الشرق أم كلثوم فأصبحت “ثورة الشك” حكاية كاملة ..حكاية حب واتهام عتاب ودهشة كبرياء وجرح
حكاية تُغنى ولا تُروى !!
نجحت الأغنية ؟
بل تخطّت النجاح واستقرّت في الذاكرة العربية كإحدى قمم الطرب العربي .. فهي ليست مجرد لحن وصوت بل هي شهادة حية على قدرة الشعر النبيل أن يلامس الإنسان من داخله، أن يضع إصبعه على مواضع الألم والجمال معاً !!
-
وأخيراً
لماذا كتبتُ هذه الليلة عن “ثورة الشك” ؟!
سمعتُها صدفةً بصوت مطربة لا أعرفها من قبل تُدعى مي الشندي فوجدتني مشدوهاً بأدائها مبهوراً بحُسن صوتها وصدق إحساسها .. أعادت إلى القصيدة روحاً جديدة وأشعلت في القلب وهجاً قديماً كدتُ أظن أنه انطفأ !!
“ثورة الشك” ليست فقط من روائع الأمير عبدالله الفيصل .. بل هي مرآة لما نشعر به ولا نقوله .. وما نكتبه أحياناً دون أن نعلم لماذا كتبناه !!
-