من هنا نبدأ...تصحيح المفاهيم وبناء الوعي لمجتمع آمن في عصر الرقمنة
في ظل الزخم العالمي وثورة الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم بأسره في غرفة زجاجية

✍️ بقلم: د. مدحت يوسف
???? 10 / 10 / 2025
???? في ظل الزخم العالمي وثورة الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم بأسره في غرفة زجاجية واحدة، أصبح كل إنسان يرى الآخر بوضوحٍ تام من خلال أفكاره وسلوكياته وثقافته. هذا الانفتاح الواسع، رغم ما يحمله من فرص عظيمة للتواصل والمعرفة، إلا أنه فتح الأبواب أمام مفاهيم وسلوكيات دخيلة بعيدة عن قيمنا وأصالتنا وتقاليدنا. لقد تسربت هذه المفاهيم إلى عقول الصغار قبل الكبار عبر قنوات رقمية لا تخضع لرقابة أو حدود، فأصبحت كالأورام الفكرية تتكاثر وتنتشر دون وعي، حتى أثرت في منظومة الأخلاق والقيم في مجتمعنا.
???? من أخطر هذه الظواهر التي تسللت إلى مجتمعاتنا ظاهرة الغش، التي لم تعد مقتصرة على الكبار أو المحترفين، بل بدأت تنشأ من مرحلة الطفولة المبكرة داخل المدارس، حيث يمارس بعض الطلاب الغش في الامتحانات خلال فترة التكوين الفكري وبناء الشخصية التعليمية والمجتمعية. لقد أصبح الغش عند بعضهم سلوكًا طبيعيًا يُمارس بطرق متعددة، بل أحيانًا بمساعدة من الكبار أو بتهاون من بعض المعلمين، مما يرسخ في أذهان الطلاب أن التفوق لا يحتاج إلى جهد بل إلى حيلة. وهنا تبدأ الشرارة الأولى لانهيار القيم، لأن الطفل الذي يتعلم الغش في دراسته سيغش لاحقًا في عمله، في معاملاته، وفي التزامه تجاه وطنه، فتتحول العدوى الفردية إلى ظاهرة مجتمعية مدمّرة تهدد النزاهة والصدق في المجتمع بأسره.
???? كما برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة العبث بالممتلكات العامة، والتي تعكس ضعف الانتماء وتراجع الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن. نرى اليوم تخريبًا متعمّدًا للمدارس والحدائق والطرق والمرافق العامة، وكأنها ليست ملكًا للجميع، بل ساحة للعبث والاستهتار. هذه السلوكيات لا تمثل مجرد خطأ عابر، بل هي مؤشر خطير على تراجع الوعي الوطني والأخلاقي، إذ لا يمكن لإنسانٍ واعٍ يحب وطنه أن يؤذي ما يخدمه. المحافظة على الممتلكات العامة ليست واجبًا قانونيًا فقط، بل هي قيمة وطنية تعكس مدى احترام المواطن لنفسه ووطنه، فكل حجرٍ يُكسر، وكل مقعدٍ يُخرب، وكل جدارٍ يُشوه هو جرحٌ في جسد الوطن.
???? ومن الظواهر التي تهدد بنية المجتمع الأخلاقية والاجتماعية كذلك ظاهرة تفكك الأسر وارتفاع معدلات الطلاق، وهي من أخطر ما يواجه المجتمعات المعاصرة. لم يعد الطلاق اليوم يتم في الخفاء أو على استحياء كما كان في الماضي، بل أصبح البعض يُعلنه بفخر، بل ويحتفل به علنًا على مواقع التواصل الاجتماعي! هذا الانحدار في الوعي الاجتماعي يهدد قدسية الأسرة التي كانت وستظل نواة المجتمع ومصدر توازنه واستقراره. إن تفكك الأسرة لا يضر الزوجين فقط، بل يدمر الأجيال القادمة التي تنشأ بين صراعات، وتفقد الإحساس بالأمان والانتماء. ولذا فإن حماية الأسرة هي حماية للوطن، لأنها الحصن الذي يُغرس فيه الانتماء وتُبنى فيه الأخلاق.
???? إن مواجهة هذه الظواهر المدمّرة لا تكون بالشعارات، بل بخطط عملية تبدأ من التعليم الذي يجب أن يُغرس فيه وعي الانتماء والمسؤولية، وأن يُبنى على التفكير النقدي والضمير الأخلاقي، لا على الحفظ الأعمى أو النجاح الشكلي. التعليم هو مصنع القيم قبل أن يكون مصنع الشهادات.
???? أما الإعلام، فعليه أن يستعيد دوره البنّاء، فينشر النماذج المشرّفة ويُبرز القدوات الحقيقية، بدلاً من تضخيم رموز زائفة تشوه الوعي العام وتُرَسِّخ السلوكيات الهدامة. الإعلام الواعي يصنع وعي الأمة، والإعلام الهابط يهدمها من الداخل.
???? الأسرة بدورها تتحمل مسؤولية محورية في التربية والتقويم، فهي التي تُرسخ القيم بالأفعال لا بالأقوال. على الوالدين أن يكونا قدوة في الصدق والانضباط والاحترام، وأن يُنشئا أبناءهم على مفهوم المواطنة والالتزام والانتماء الحقيقي، لأن ما يُبنى في الأسرة ينعكس على المجتمع كله.
⚖️ كما يجب أن تتضافر القوانين والتشريعات لضبط السلوكيات العامة ومحاسبة من يعبث بالممتلكات أو يُروّج لانحلال القيم عبر المنصات الرقمية، مع تفعيل الرقابة المجتمعية الواعية التي تُمارس بروح وطنية مسؤولة. فالقانون يحمي، والمجتمع الواعي يصون.
???? إن بناء مجتمع آمن لا يتحقق إلا بتكاتف كل مؤسسات الدولة والمجتمع — التعليم، الإعلام، الأسرة، دور العبادة، والمثقفون — ليعمل الجميع في منظومة واحدة هدفها تحصين الفكر وبناء الإنسان.
???? تصحيح المفاهيم الخاطئة ليس ترفًا فكريًا، بل واجب وطني وأخلاقي لحماية الأجيال القادمة من الانزلاق وراء قيم زائفة تُهدد كيان الأمة. نحن لا نرفض التطور، بل نرفض أن يفقدنا التطور هويتنا. نريد أن نواكب العالم، ولكن بثوابتنا الراسخة، نُجاري التقدم ولكن بعقولٍ واعية تحفظ ديننا، وهويتنا، ووطننا.
???????? إن الحفاظ على القيم والهوية هو جوهر الأمن القومي الحقيقي، فالأمن لا يتحقق فقط بحماية الحدود، بل بحماية العقول من الانحراف، والنفوس من الضعف، والأسر من التفكك. ومن امتلك وعيه، امتلك مستقبله، ومن حافظ على أسرته، حافظ على وطنه.
???? لنعمل جميعًا من أجل وطنٍ قويٍ آمن، يُفاخر بقيمه، ويزهو بهويته، ويحمي فكره من الانحدار الأخلاقي والانجراف القيمي.
وطنٌ يُعلّم أبناءه أن الكرامة في الأخلاق، والقوة في الوعي، والمجد في الانتماء.
وطنٌ آمنٌ بهويته... قويٌّ بعقيدته... ثابتٌ في قيمه... ومتجددٌ بعقول أبنائه.
@topfans خطى الوعي DrEng Medhat Youssef Moischool