من هنا نبدأ …الأخلاق… درع المجتمع وركيزة أمنه في عصر التحديات المتسارعة

إن الأخلاق ليست زينة تكمّل حياة الإنسان، بل هي جوهر وجوده وميزان استقامته، وهي الركيزة التي

من هنا نبدأ …الأخلاق… درع المجتمع وركيزة أمنه في عصر التحديات المتسارعة
من هنا نبدأ …الأخلاق… درع المجتمع وركيزة أمنه في عصر التحديات المتسارعة


د.م. مدحت يوسف –23  نوفمير 2025

إن الأخلاق ليست زينة تكمّل حياة الإنسان، بل هي جوهر وجوده وميزان استقامته، وهي الركيزة التي تنهض عليها الأمم وتستقر بها المجتمعات. وقد لخّص رسول الله ﷺ رسالة البعثة كلها بقوله: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، مؤكداً أن إصلاح الإنسان يبدأ من تهذيب سلوكه، وضبط ضميره، وحماية إنسانيته من الانجراف نحو الفوضى والقبح.

وفي عصرنا الحديث، ومع الانفتاح الهائل الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المجتمع أمام اختبار حقيقي. فهذه الوسائل – رغم إيجابياتها – تحولت إلى سلاح ذي حدين، تحمل فوائد المعرفة من جهة، وتنشر السلوكيات السلبية واللاأخلاقية من جهة أخرى، مما جعل التأثير على العقول – خاصة عقول الشباب – مباشراً وسريعاً. لقد أصبحت الرسائل المخالفة للقيم، والنماذج المنحرفة، والمحتويات الهابطة جزءاً من الواقع اليومي، وهو ما أدى إلى إضعاف منظومة الأخلاق العامة وخلق حالة من الانفلات السلوكي لدى البعض.

وما يزيد خطورة المشهد أن السلوكيات غير الأخلاقية لدى الكبار انعكست بشكل مباشر على أمن الأطفال وسلامتهم، حتى داخل البيئة التعليمية التي كان يفترض أن تكون الأكثر أماناً. فقد ظهرت حالات من التحرش بالأطفال، وغياب الوعي لديهم بكيفية حماية أنفسهم أو التبليغ عند التعرض لخطر. وهذه الظاهرة ليست مجرد جريمة فردية، بل دليل على خلل عميق في الثقافة المجتمعية، وفي ضعف التربية، وفي غياب التوعية الأخلاقية المنظمة، وفي تراجع دور المؤسسات التربوية.

ولا يمكن تجاهل أن بعض المدارس نفسها – رغم رسالتها السامية – تعاني من قصور واضح، ليس فقط في المناهج الأخلاقية، بل في تدريب وتأهيل العاملين فيها، سواء من المعلمين أو من الموظفين القائمين على الخدمات اليومية. فهناك من يتعامل مع الطلاب دون مسؤولية، ودون وعي تربوي، ودون إدراك لحجم تأثير السلوكيات السلبية على شخصية الطفل وأمانه. وهذا القصور يفتح الباب لتكرار الأخطاء وتوسيع الفجوة الأخلاقية داخل البيئة التعليمية.

كما أن الإعلام – بما يملكه من قوة هائلة – لعب دوراً مزدوجاً؛ فمنه تنطلق برامج للتوعية ونشر القيم، لكنه في الوقت ذاته يفتح المجال لنماذج غير أخلاقية تتصدر المشهد وتؤثر في الفئات الأصغر سناً. وهنا تظهر أهمية بناء وعي إعلامي لدى الأسرة، وتطوير سياسة إعلامية وطنية تعيد الاعتبار للمحتوى الهادف وتحاصر المظاهر السلبية.

أما المجتمع بمؤسساته، فهو المعني الأول بترسيخ الأخلاق. فالمسؤولية لا تقع على الأسرة وحدها، بل تشمل المدرسة، والإعلام، والجامعة، والشارع، والمسجد، وكل منصة تتواصل مع الناس. فالأخلاق هي السلوك اليومي، وهي طريقة التعامل، وهي احترام الآخر، وهي حماية الضعيف، وهي رفض الظلم، وهي مواجهة التحرش والانحراف بكل أشكاله بلا تردد ولا تبرير.

ويظل القانون والتشريعات عاملاً محورياً في حماية الأخلاق العامة. فالقوانين الرادعة للتحرش، والتنمر، والعنف، وإساءة معاملة الأطفال، والجرائم الأخلاقية، تمثل خط الدفاع الأخير الذي يصون المجتمع، بشرط أن تكون مفعّلة، صارمة، ويجري تطبيقها بلا تهاون. كما يجب أن تُسن تشريعات تُلزم المؤسسات التعليمية والإعلامية بوضع سياسات حماية واضحة وصارمة.

إن الأخلاق ليست ترفاً، ولا شعاراً، ولا مجرد قيمة نظرية، بل هي الأمن، والاستقرار، وضمان المستقبل. وعندما تنهار الأخلاق، ينهار معها كل شيء: الأسرة، المدرسة، الثقة، والطمأنينة في المجتمع. وحماية الأخلاق ليست مهمة فرد ولا جهة واحدة، بل مسؤولية وطنية شاملة تتطلب وعياً، وتربية، وتشريعات، وتكاتفاً مجتمعياً كاملاً.

إن الوقوف أمام السلوكيات اللاأخلاقية اليوم لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة وجودية. فبترسيخ القيم، وتعميق الوعي، وإصلاح التعليم، وضبط الإعلام، وتفعيل القوانين، نستطيع أن نصنع مجتمعاً متماسكاً يحترم إنسانيته، ويحمي أطفاله، ويرسخ بيئة آمنة يعيش فيها الجميع بكرامة وأمان.

وبذلك تعود الأخلاق لتكون الدرع الحقيقي الذي يحمي المجتمع في زمن التحديات المتسارعة.
DrEng Medhat Youssef Moischool 
خطى الوعي 
وزارة التربية والتعليم المصرية 
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية 
رئاسة مجلس الوزراء المصري