قصيدة : الشعر العربي

كتب: مصطفى فتحى العافى
حنين إلى النور ..
البردة الرخائية....
قصيدة تعيد رهافة الشعر وعبق الشعر العربى الرصين وعبقرية كعب بن زهير فى بردته الخالدة.
"بانت سعادُ" وبانت بعدها أُمَمُ
وفي الجوانحِ جُرحٌ ليس يلتئِمُ
يا سيِّدي، بِي ظلامٌ كاد يَخنقُني
وملحُ دمعي على أعتابِكم نَدِمُ
أنَّى اتّجهتُ، وجَدتُ العُمرَ مغتربًا
إلّا إليكَ، فحضنُ المصطفى رحِمُ
ناديتُ باسمِكَ، فارتدَّ الصدى قبسًا
نورًا نبيًا، وما كلُّ الصدى عَمَمُ
لو كانَ يُفنِي المُحبَّ الشَّوقُ ما بقيتْ
إلّا عيوني على أستارِكم، وُشِموا
في كَفِّ بُعدي رمَادُ الروحِ مُنطفِئٌ
لكنَّ شوقي، ونجواكُمْ .. هما الضَّرَمُ
هذا فؤادي قِفارٌ لا يُظلِّلُهُا
إلّا حنينٌ لهُ في حُبِّكمْ حُرَمُ
أدنو فتبعدُ عني الآهُ ما اقتربتْ
وأستعيدُ ثباتًا .. كلُّه هِمَمُ
أمسَكتُ ذِكرَكَ في كَفِّي؛ فأنقَذَني
فالخيرُ ذِكرُكَ يا مَولايَ والكَرَمُ
ما زلتُ أقرأُ وَجهَ النُّورِ في سَحَري
وفي نسائمِ فجري .. كلّما نسَموا
مُذْ غبتَ عنّا، غَفَونا عن مَكانَتِنا
وبُدِّلَ النُّورُ، جاءَ الوَهْمُ والوَهَمُ
تفرَّقتْ أمّتي، والجرحُ يعصفُها
لا الحلمُ يجمعُها، لا الصبرُ، لا الحِكَمُ
هانت على أنفسِ الأحرارِ عزّتُهم
واستَوطَنَ الذُّلُّ أرواحًا بها شِيمُ
هانت، وهانت
-وربي- لم يَعُدْ ...
لأبي بكرٍ صدىً،
لِعليٍّ خاطرٌ ودَمُ
كم صار سيفُ الهوَى في الحكمِ رايتَنا
والشَّرعُ بين ذوي الأهواءِ منهزمُ
باعوا المكارمَ في الأسواقِ عن غَرَرٍ
مظنّةً أنهم في بيعهم غنمُوا
يا سيّدي، والرَّدَى في الأرضِ مُنتشِرٌ
والّليلُ طالَ، فلا نجمٌ ولا عَلَمُ
أنا الذي ضِعتُ بينَ الأمسِ في بَلَدِي
وبينَ يومٍ .. غَدَا بالقهرِ يَنصرمُ
وها وقفتُ، ولم تُبقِ الرِّياحُ معي
إلّا حنينًا، بهِ الآمالُ تَرتَسِمُ
في كلِّ دربٍ، إذا ناديتُ مُعتَصِمًا
رَدَّ الصَّدى تعِبًا .. قد مات مُعتصِمُ
يا سيّدي، فِئتُ والدنيا تُمزِّقُني
والرُّوحُ تائهةٌ، والشَّيبُ مُضطرِمُ
يا سيّدي، ليست الدنيا لذي سِيَرٍ
إلّا لمن سار سَيْرًا .. سَمتُهُ الشّمَمُ
إنِّي سَئِمتُ دروبَ اليأسِ في كَلِمي
وضاقَ بالصَّمتِ صوتي، وانبرى القلَمُ
ذكرتُكَ الآن، كي تُجلَى عُرَى نَفَسي
يا كُثر ما شَدَّها الإبلاسُ والنَّقمُ
لو لَمْ تكنْ أنتَ، مَن للروحِ يُنقِذُها؟
مَن للسقيمِ إذا ما استفحشَ السَّقَمُ؟
إنْ ضاقَ بي خاطري، مُدّت مَحَبَّتُكمْ
حتّى كأنَّ قروحَ القلبِ تَلتَئِمُ
أنا الفقيرُ، وأنتَ الذّخرُ إن غفلتْ
عني الحياةُ، وضاقَ العيشُ والعدمُ
أدنو إليكَ، ولا يدنو إليكَ سوى
قلبٌ إذا ذُكرَتْ سيماك يَلتَزِمُ
يا خيرَ هادٍ، بذكراك انجلى كَمَدى
فِداك نفسي، ومَن بالقلبِ .. كُلُّهمو
صلّى عليكَ إلهُ العرشِ في أَبَدٍ
ما لاحَ في الخافقَينِ النُّورُ والغَمَمُ
#حنين_إلى_النور
#دعاء_رخا
من ديوان #كأصابع البحر
..وكأن شهر رمضان هو شهر الفتح العظيم ليس فى الفتوحات العسكرية فقط بل الفتوحات الربانية التى تتجلى فى شهر القرآن...
أسوق هذه المقدمة توطئة لمفاجأة من العيار الثقيل فاجأت بها سلطانة الشعر الشاعرة الكبيرة الدكتورة دعاء رخا متابعيها ومحبى الشعر العربى الرصين تمثلت فى قصيدة أكاد ألقبها بالبردة الرخائية .
فقد كانت براعة الاستهلال كفيلة أن تقود المتلقى إلى براحات التجلى لتعيد الأذهان إلى تلك اللحظة الخالدة التى مثل فيها الصحابى الجليل والشاعر المخضرم كعب بن زهير معتذرا ومادحا رسول الله صلى الله عليه وسلم...ولم لا ؟. وقد بدأت قصيدتها بإشارة إلى تلك المقدمة الغزلية التى ابتدأ بها بردته الشهيرة.
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول...
فتقول...
بانت سعاد...وقوستها.. وتكمل وباتت بعدها أمم
وفى الجوارح جرح ليس يلتئم
لم لا ؟ وقد تجلت حين تصورت نفسها فى ذات الموقف الذى مثل فيه الصحابى الجليل كعب بن زهير ..فتخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة ...يا سيدى...كونه طاقة النور التى تستنجد بها فى قولها ..بى ظلام كاد يخنقنى...ولعل القارئ العزيز النيابه سيعرف إنها وإن كانت تتحدث بضمير المتكلم فهى لا تتحدث عن دعاء رخا فقط بل عن كل نفس إنسانية...القصيدة إنسانية فى المقام الأول...وتعلمها فى ألم..
أنى اتجهت .وجدت العمر مغتربا
إنه الاغتراب الذى يعيشه إنسان هذا العصر مع ذاته ومع مجتمعه ومع هذا المجتمع الدولى الذى عاد بنا إلى شريعة الغابة ومنطق أن يلتهم القوى الضعيف ...
وفى صوفية وعشق فى مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم...راحت تصعد فى سماوات المديح النبوى فتقول.
ناديت باسمك فارتد الصدى قبسا.
نورانبيا وما كان الصدى عمم..
لو كان يفنى المحب الشوق ما بقيت .
إلا عيونى على أستاركم وشموا
فى كف بعدة رماد الروح منطقة
لكن شوقى. ونجواكم..هما الضرم..
أدنو لابعد عنى الآه ما اقتربت
وأستعيد ثباتا...كله همم
أمسكت ذكرك فى كفى..فأنقذنى
فالخير ذكرك يا مولاى والكرم.
مازلت اقرأ وجه النور فى سحرى
وفى نسائم فجرى..كلما نسموا..
الله...الله.. الله...لم أتردد فى أن أخلع على هذه القصيدة...البردة الرخائية...إنها تجليات البوح عشقا فى خير البرية..حين تضيق بنا أنفسنا ويتسع لنا المقام فى روضات التجلى فى مديح الهادى البشير ...
تنتقل سلطانة الشعر الشاعرة الكبيرة الدكتورة دعاء رخا من روعات المديح النبوى....لتعرض شكواها وآلامها بإنسانيتها ممثلة عن انسان هذا العصر خاصة المسلم الذى دهسه قطار التحضر والتفرقة والخنوع لتضيع أمة كتب لها الله الخيرية وكان أروع ما أمرت به ..تلك الهدايا الربانية مثل ..اعتصموا بحبل الله...وهدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أحاديثه النبوية التى اتخذت من لفظة...أخ.. لتكون الرابط الذى يربط المسلم بأخيه المسلم ..
فتقول ..
مذ غبت عنا .غفونا عن مكانتنا
وبدل النور .جاء الوهم والوهم
تفرقت أمتى . والجرح يعصفها
لا الحلم يجمعها.لا الصبر لا الحكم.
هانت على أنفس الاحرار عزتهم
واستوطن الذل أرواحا بها شيم
لم يكن ما سبق شكوى إنسان هذا العصر وفقط بل كان تعرية لأمة فقدت ورقة التوت إلى كانت تستر عورتها بصمتها المريب و خنوعها وضعفها..فى وجه عدو استباح شرفها وعزتها وكرامتها..ليصدق فينا قول القائل..
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام.
فقد هنا على أعدائنا...وتؤكدها سلطانة الشعر الشاعرة الكبيرة الدكتورة دعاء رخا فتقول..
هانت. وانت
وربى..لم يعد
لأبى بكر صدى
على خاطر ودم.
وتتباكى على أحوال أمتها وكأنها تمسك بأستار الكعبة فتشكو أمتها لربها.. تشكو أمتها لرسولها...فتقول .
كم صار سيف الهوى فى الحكم رايتنا
والشرع بين ذوى الأهواء منهزم
باعوا المكارم فى الأسواق عن غرر
مظنة أنهم فى بيعهم غنموا
يا سيدى والردى فى الأرض منتشر
والليل طال. فلا نجم ولا علم.
وتستمر الشاعرة الكبيرة الدكتورة دعاء رخا فى موقف المقترف الذنب المتخلى عن فضيلة الجهاد وعن عزة الأوائل وعن نخوة المسلم وعن الجرأة فى قول الحق..فى إسقاط على حال أمتها..وإلى تلك الإبادة وإلى ذلك الصمت العالمى المطبق والظلم القادر القاهر و آلة الحرب المدمرة .فتقول .
أنا الذى ضعت بين الأمس فى بلدى
وبين يوم ...غدا بالقهر ينصرم.
وها قد وقفت. ولم تبق الرياح معى
إلا حنينا به الآمال ترتسم
فى كل درب...إذا ناديت معتصما
رد الصدى تعبأ...قد مات معتصما..
حقيقة لا أجد ما اصف به تلك الروعة التى تجلت فى تشخيص أوجاع أمتها ومدى الذل الذى تحياه ليس لهمجية عدو يعيث فسادا فى الأرض..فحسب .بل .لهذا الخنوع والصمت المريب الذى لا يستجيب لصرخات النساء والأطفال والشيوخ وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى..فقد مات معتصم
إنه اليأس فى أقسى صوره ..يأس جعلها تستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم... قائلة...
يا سيدى فئت والدنيا تمزقنى
والروح تائهة. والسبب مضطرم
يا سيدى ...ليست الدنيا لذى سير.
إلا لمن سار سيرا..سمته السمن
إنى سئمت دروب اليأس فى كلمى
وضاق بالصمت صوتى.وانبرى القلم
ذكرتك الآن.كى تجلى عرى نفسى
يا كثر ما شدها الإبلاس والنقم.
وعلى أعتاب رسول الله تبوح النفس بما يؤلمها. فتذكره صلى الله عليه وسلم وتعود شاعرتنا الكبيرة الدكتورة دعاء رخا فتعاود مديحها الذى ابتدأت به بردتها فى مديح رسول الله صلى الله عليه فتسمو بنا الكلمات وترقى بنا المشاعر وتعرج بنا فى براحات العشق النبوى ..فتقول.
لو لم تكن أنت من للروح ينقذها ؟
من السقيم إذا ما استفحش السقم؟
إن ضاق بى خاطرى .مدت محبتكم
حتى كأن قروح القلب تلتئم
أنا الفقير وأنت الذخر إن غفلت
عنى الحياة. وضاق العيش والعدم
أدنو إليك . ولا يدنو إليك سوى
قلب. إذا ذكرت سيماك يلتزم
يا خير هاد.بذكراك انجلى كمدى
فداك نفسى ومن بالقلب...كلهم
صلى عليك إله العرش فى أبد
ما لاح فى الخافقين النوى والغمم
تزداد سعادتى بتلك البردة الرخائية كونها كانت فى غرض المديح النبوى...وياللمفارقة بين لفظة المدح والمديح...فالمدح يكون من إنسان لأى إنسان آخر فيكون له مادحا أما رسول الله صلى الله عليه وسلم..فيليق بنا أن نكون فى حضرته فى مقام المديح...لأن لفظة المدح لا تستوعب جلال وعظمة شخصية الممدوح صلى الله عليه وسلم...
رعاك الله سلطانة الشعر الشاعرة الكبيرة الدكتورة دعاء رخا التى أثارت الشجن والحنين إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم و إلى تصور الصحابى الجليل كعب بن زهير وهو يمثل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
لله درك وان تحملين هم أمتك فلا منقذ وسط هذا الصمت المريب فتذوب شوقا فى رسول الله..معترفة بتقصيرها تنشدها الغوث والمدد فليس لها إلا هو ...
بالطبع هى تتحدث بلسان حال أمتها ..ما أحوجنا إلى مثل هذه النصوص الراقية التى تسمو بنا فى ظل حالة التردى التى نعيشها .